الحديث ٣١
«عَدَمُ جَوَازِ سُؤَالِ الْإِمَامِ لِإِظْهَارِ جَهْلِهِ أَوْ كِذْبِهِ»
رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ [ت٢١١هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١]، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُبَيٍّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، قَالَ:
شَهِدْتُ عَلِيًّا وَهُوَ يَخْطُبُ وَيَقُولُ: «سَلُونِي، فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ، وَسَلُونِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ بِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ، وَفِي سَهْلٍ أَمْ فِي جَبَلٍ»، فَقَامَ إِلَيْهِ ابْنُ الْكَوَّاءِ، وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ، وَهُوَ خَلْفِي، فَقَالَ: مَا ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا﴾[٢]؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: «وَيْلَكَ، سَلْ تَفَقُّهًا، وَلَا تَسَأَلْ تَعَنُّتًا، ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾ الرِّيَاحُ، ﴿فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا﴾ السَّحَابُ، ﴿فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا﴾ السُّفُنُ، ﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا﴾الْمَلَائِكَةُ»، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ السَّوَادَ الَّذِي فِي الْقَمَرِ، مَا هُوَ؟ قَالَ: «أَعْمَى سَأَلَ عَنْ عَمًى! أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ﴾[٣]؟ فَذَلِكَ مَحْوُهُ» يَعْنِي السَّوَادَ الَّذِي فِيهِ، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ هَذِهِ الْقَوْسَ، مَا هِيَ؟ قَالَ: «عَلَامَةٌ كَانَتْ بَيْنَ نُوحٍ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَأَمَانٌ مِنَ الْغَرَقِ»، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ، مَا هُوَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ الصَّرْحُ فِي سَبْعِ سَمَاوَاتٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: فَمَنِ ﴿الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾[٤]؟ قَالَ: «الْأَفْجَرَانِ مِنْ قُرَيْشٍ: بَنُو أُمَيَّةَ، وَبَنُو مَخْزُومٍ، كَفَيْتُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ»، قَالَ: فَمَنِ ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[٥]؟ قَالَ: «كَانَتْ أَهْلُ حَرُورَاءَ مِنْهُمْ».
الشاهد ١
وَرَوَى الْحَاكِمُ [ت٤٠٥هـ] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ»[٦]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا بَسَّامُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: «سَلُونِي قَبْلَ أَنْ لَا تَسْأَلُونِي، وَلَنْ تَسْأَلُوا بَعْدِي مِثْلِي»، فَقَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾؟ قَالَ: «الرِّيَاحُ»، قَالَ: فَمَا ﴿الْحَامِلَاتِ وِقْرًا﴾؟ قَالَ: «السَّحَابُ»، قَالَ: فَمَا ﴿الْجَارِيَاتِ يُسْرًا﴾؟ قَالَ: «السُّفُنُ»، قَالَ: فَمَا ﴿الْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا﴾؟ قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ»، قَالَ: فَمَنِ ﴿الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ﴾[٧]؟ قَالَ: «مُنَافِقُو قُرَيْشٍ».
الشاهد ٢
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ [ت٣١٠هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[٨]، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: «لَا تَسْأَلُونِي عَنْ كِتَابٍ نَاطِقٍ، وَلَا سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ، إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ»، فَسَأَلَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ عَنِ الذَّارِيَاتِ، فَقَالَ: «هِيَ الرِّيَاحُ».
الشاهد ٣
وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ [ت٣٦٥هـ] فِي «الْكَامِلِ»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْيَمَ يَعْنِي عَبْدَ الْغَفَّارِ بْنَ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ، قَالَ: خَطَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي عَامَّةٍ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْعِلْمَ لَيُقْبَضُ قَبْضًا سَرِيعًا، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ تَفْقِدُونِي، فَسَلُونِي، فَلَنْ تَسْأَلُونِي عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمْ بِهَا، وَفِيمَا أُنْزِلَتْ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا أَحَدًا مِنْ بَعْدِي يُحَدِّثُكُمْ».
الشاهد ٤
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ [ت٥٧١هـ] فِي «تَارِيخِ دِمَشْقَ»[١٠]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ الْأَنْمَاطِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلَانِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونَ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بْنُ الصَّوَّافِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ الْمُحِبِّيُّ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، سَلُونِي، فَإِنَّكُمْ لَا تَجِدُونَ أَحَدًا بَعْدِي هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تَسْأَلُونِي مِنِّي، وَلَا تَجِدُونَ أَحَدًا أَعْلَمَ بِمَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ مِنِّي، فَسَلُونِي».
الشاهد ٥
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ [ت٥٧١هـ] فِي «تَارِيخِ دِمَشْقَ»[١١]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بْنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاسِطِيُّ إِمْلَاءً، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا رِبْعِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَارُودِ، أَخْبَرَنَا سَيْفُ بْنُ وَهْبٍ مَوْلًى لِبَنِي تَيْمٍ، قَالَ: دَخَلْتُ بِشِعْبِ ابْنِ عَامِرٍ عَلَى أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ وَقَعَ حَاجِبُهُ عَلَى عَيْنِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: أُحِبُّ أَنْ تُحَدِّثَنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ عَلِيٍّ لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَحَدٌ، قَالَ: أُحَدِّثُكَ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَتَجِدُنِي لَهُ حَافِظًا: أَقْبَلَ عَلِيٌّ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ بِالْكُوفَةِ، حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ آيَةٌ تَخْفَى عَلَيَّ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَا أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلَا مَا عُنِيَ بِهَا، وَاللَّهِ لَا تَلْقَوْا أَحَدًا يُحَدِّثُكُمْ ذَاكُمْ بَعْدِي، حَتَّى تَلْقَوْا نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، فَنَادَى: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: «مَا أَرَاكَ بِمُسْتَرْشِدٍ» أَوْ «مَا أَنْتَ مُسْتَرْشِدٌ»، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾، قَالَ: «الرِّيَاحُ، وَيْلَكَ»، قَالَ: ﴿فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا﴾، قَالَ: «السَّحَابُ، وَيْلَكَ»، قَالَ: ﴿فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا﴾، قَالَ: «السُّفُنُ، وَيْلَكَ»، قَالَ: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾، قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ، وَيْلَكَ»، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾[١٢]، قَالَ: «وَيْلَكَ، بَيْتٌ فِي سِتِّ سَمَاوَاتٍ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الضُّرَاحُ[١٣]، وَهُوَ حِذَاءُ الْكَعْبَةِ مِنَ السَّمَاءِ»، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ﴾، قَالَ: «وَيْلَكَ، ظَلَمَةُ قُرَيْشٍ»، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[١٤]، قَالَ: «وَيْلَكَ، مِنْهُمْ أَهْلُ حَرُورَاءَ[١٥]».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، رَوَاهُ عَنْهُ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَبَسَّامُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، وَسَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، وَحُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ، وَسَيْفُ بْنُ وَهْبٍ مَوْلًى لِبَنِي تَيْمٍ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ سُؤَالِ الْإِمَامِ عَنِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكُلِّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ لِابْنِ الْكَوَّاءِ: «سَلْ تَفَقُّهًا، وَلَا تَسَأَلْ تَعَنُّتًا» مَشْهُورٌ عَنْهُ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ سُؤَالِ الْإِمَامِ لِإِظْهَارِ جَهْلِهِ أَوْ كِذْبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْهَلُ شَيْئًا مِنَ الدِّينِ وَلَا يَكْذِبُ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ كَانَ مُتَّهَمًا عِنْدَ عَلِيٍّ؛ كَمَا قَالَ لَهُ: «مَا أَرَاكَ بِمُسْتَرْشِدٍ»، وَقَالَ: «أَعْمَى سَأَلَ عَنْ عَمًى»، وَيَظْهَرُ مِنْ بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ حَرُورَاءَ، وَمَا كَانَ عَلِيٌّ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ وَسُؤَالِهِ عَمَّا يَشَاؤُونَ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي مَحْوِ آيَةِ اللَّيْلِ فَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ ذَلِكَ مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾[١٦]، وَلَوْ قَالَهُ فَقَدْ أَجَابَ الرَّجُلَ عَلَى قَدْرِ عَقْلِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالسَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي سَطْحِهِ مِنَ الْكُدُورَةِ لِيَعْكِسَ جُزْءًا مِنْ نُورِ الشَّمْسِ دُونَ كُلِّهِ.