الإثنين ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ٢٩ أبريل/ نيسان ٢٠٢٤ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الأسئلة والأجوبة: يقال أنّ النصوص تصرف عن ظاهرها أحيانًا لأمور اقتضت ذلك. كيف نفرّق بين الصرف السائغ وبين ما يكون صرف باطل يحرّف المعنى ويبدّله؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٦. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: إنّي قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني، فوجدته أقرب إلى الحقّ بالنسبة لما يذهب إليه الشيعة، ولكنّ المنصور أيضًا مشرك وكافر مثلهم؛ لأنّه قد فسّر آيات القرآن برأيه؛ لأنّك إذا قرأت ما قبل كثير من الآيات التي استدلّ بها على رأيه أو ما بعدها علمت أنّها لا علاقة لها بموضوع البحث؛ منها آية التطهير، فإنّ اللّه قد خاطب فيها نساء النبيّ، ولكنّ المنصور جعلها مقصورة على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأثبت بها إمامتهم من عند اللّه! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «عمليّة طوفان الأقصى؛ ملحمة فاخرة كما يقال أم إقدام غير معقول؟!» بقلم «حسن ميرزايي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الأقوال: قولان من جنابه في بيان وجوب العقيقة عن المولود. اضغط هنا لقراءتهما. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
موانع العودة إلى الإسلام؛ الإختلاط بالأمم والثقافات غير الإسلاميّة

إنّ السّبيل الوحيد لنجاة المسلمين هو كسر الإعتماد على الكفّار وكسب الإستقلال الثقافيّ والإقتصاديّ، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلّا بإزالة الحدود المصطنعة والتوحّد بينهم تحت راية خليفة اللّه في الأرض؛ لأنّه إذا كان الكفّار متّحدين مع بعضهم البعض، فإنّ المسلمين المتشتّتين لا يقدرون على مقاومتهم، وهذا قانون طبيعيّ من قوانين اللّه. [العودة إلى الإسلام، ص١٥١]

موانع العودة إلى الإسلام؛ الإختلاط بالأمم والثقافات غير الإسلاميّة

إنّ إنشاء دولة إسلاميّة واسعة من خلال دمج كلّ بلاد المسلمين فيها، تحت راية الحاكم الذي سمّاه اللّه وعيّنه، هو السّبيل الوحيد لنجاح المسلمين وسيطرتهم على العالم. بالرّغم من أنّه يمكن قبل ذلك التفكير في طرق أقصر، مثل تشكيل اتّحاد من الدّول الإسلاميّة بعملة واحدة وجيش واحد، كمقدّمة لتأسيس الحكومة الإسلاميّة الواحدة؛ لأنّ الإنتقال المباشر للمسلمين من المرحلة الحاليّة إلى المرحلة المثاليّة، حتّى في ظلّ ثورة عامّة في البلاد الإسلاميّة مثل الثورة المعروفة باسم «الربيع العربيّ» التي حدثت مؤخّرًا في بعض الدّول العربيّة، هو أمر بالغ الصّعوبة. لذلك، يبدو أكثر عمليًّا أن يتمّ في المقام الأوّل إنشاء اتّحاد كبير مثل الإتّحاد الأوروبيّ، مع عضويّة جميع الدّول الإسلاميّة ووضع حدود مفتوحة وعملة مشتركة وجيش مشترك، وفي المقام الثاني، إنشاء اتّحاد أعمق بينهم في شكل حكومة إسلاميّة شاملة وقائمة على اتّباع خليفة اللّه في الأرض. هذا بالتأكيد سبيل خلاص المسلمين ووصولهم إلى سعادة الدّنيا والآخرة. [العودة إلى الإسلام، ص١٥١ و١٥٢]

موانع العودة إلى الإسلام؛ رواج النّزعة الحديثيّة

سبب آخر لعدم إقامة الإسلام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ما راج بعده من النّزعة الحديثيّة. المراد بالنّزعة الحديثيّة هو بناء العقائد والأعمال على أقوال وأفعال منسوبة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بشكل غير متواتر بواسطة رجال يحتمل كذبهم أو خطأهم أو نسيانهم، وبالتّالي فإنّ صحّتها غير قطعيّة؛ لأنّه من المحسوس أنّ خبر واحد غير معصوم، حتّى إذا كان ظاهره الصّدق، يمكن أن يكون صحيحًا ويمكن أن يكون غير صحيح... بهذا يتّضح أنّ أخبار الآحاد لا توجب اليقين، بل هي في أحسن حالة ممكنة توجب الظنّ، وهذا أمر متّفق عليه بين أهل النّظر من المسلمين، بل العقلاء كافّة. في حين أنّ الظنّ لا يصلح لأن يكون أساس عقيدة المسلمين وعملهم، والإسلام مبنيّ على اليقين فقطّ؛ كما قال اللّه مرارًا وصراحة: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا. [العودة إلى الإسلام، ص١٥٢-١٥٤]

موانع العودة إلى الإسلام؛ رواج النّزعة الحديثيّة

كذلك اتّخذ المسلمون من بعده [يعني بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم] أحد المنهجين: اتّباع كتاب اللّه وأهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، واتّباع كتاب اللّه وحده، فكان هذان المنهجان هما المنهجين الوحيدين بينهم، ولم يكن بينهم منهج ثالث. إنّما ظهر المنهج الثالث في العقود التالية بعد غلبة المنهج الثاني على المنهج الأوّل، بدافع ملء فراغ أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بين المسلمين، وكان ذلك اتّباع كتاب اللّه وحديث النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، في حين أنّ المسلمين الأوائل لم يكن لديهم مثل هذا المنهج، ولم يكونوا يوافقون على وضع حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بجانب كتاب اللّه، بل كانوا يعارضون ذلك ويكافحونه بقوّة؛ لأنّ ما سمّي الحديث كان مجرّد روايات ظنّيّة وخالية من القرائن اللازمة لفهم كامل وصحيح لم تكن صالحة لأن توضع بجانب كتاب اللّه وتسدّ فراغ أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وكان يُخشى إن انتشر أن يفسح المجال فقطّ لظهور الإختلاف بين الأمّة في العقائد والأعمال الإسلاميّة وافتراقهم عن كتاب اللّه. لذلك، فإنّهم كانوا يمنعون بجدّيّة من كتابة الحديث وروايته، وحتّى يقومون بجمع الكتب والأجزاء الحديثيّة وطمسها. [العودة إلى الإسلام، ص١٥٦]

موانع العودة إلى الإسلام؛ رواج النّزعة الحديثيّة

على الرّغم من أنّهم [يعني الصحابة] كانوا يختلفون في ضرورة الرّجوع إلى أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كمرجع حيّ ويقينيّ لمعرفة الإسلام، إلّا أنّهم لم يكونوا يختلفون في عدم ضرورة الرّجوع إلى أخبار الآحاد، وكانوا بأجمعهم مخالفين لتدوينها وترويجها كأساس دينيّ. في غضون ذلك، لم يكن يهتمّ برواية الحديث إلّا عناصر شابّة ذات رتب دنيا منهم كأبي هريرة، ولهذا السّبب امتلأت كتب الحديث برواياتهم، وإلّا فإنّ كبراء مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزّبير وسلمان وأبي ذرّ وعمّار وغيرهم، قلّما كانوا يروون حديثًا، وكانوا أيضًا يمنعون أمثال أبي هريرة من كثرة الرّواية، ولهذا السّبب توجد روايات قليلة منهم في كتب الحديث. طبعًا لم يكن نهجهم هذا بسبب كراهيتهم للأقوال والأفعال التي سمعوها ورأوها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولكنّه كان فقطّ بسبب أنّهم علموا أنّ أساس الإسلام هو اليقين، واليقين لا يتحصّل من خلال خبر الواحد، ولذلك فإنّ الإهتمام به غير صالح، بل قد يكون ضارًّا؛ لأنّه يمنع الإهتمام باليقينيّات، وبالتّالي يسبّب اختلاف المسلمين في آرائهم وأعمالهم في المستقبل؛ كما وقع ذلك. [العودة إلى الإسلام، ص١٥٧-١٦٠]

جزء من رسالة جنابه فيها ينذر باشتداد البلاء، ويبيّن سببه وطريقة منعه.

تَحْتَرِقُ الدُّنْيَا فِي حَرِيقِ الْبَلَاءِ، وَهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ! يَقُولُونَ: مَا سَبَبُ هَذَا الْوَبَاءِ؟! وَهَذَا الْجَفَافِ وَالْحَرِّ الْقَاتِلِ؟! وَهَذِهِ السُّيُولِ وَالزَّلَازِلِ الْمُتَتَالِيَةِ؟! وَهَذَا الْفَقْرِ وَغَلَاءِ الْأَسْعَارِ؟! وَهَذَا الْخَوْفِ وَالْإِضْطِرَابِ الْعَامِّ؟! هَلْ هُوَ خَطَأُ إِنْسَانٍ، أَمْ مُؤَامَرَةٌ، أَمْ حَدَثٌ طَبِيعِيٌّ؟! هُوَ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ! وَقَدْ تَسَبَّبَ عَنْ عَقَائِدِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ! أَحَسِبْتُمْ أَنَّكُمْ إِنْ تَكْفُرُوا، وَتُعْرِضُوا عَنِ اللَّهِ وَخَلِيفَتِهِ فِي الْأَرْضِ، وَتَتَّخِذُوا حُكَّامًا مِنْ دُونِهِ، لَنْ يَنَالَكُمْ مَكْرُوهٌ؟! أَمْ حَسِبْتُمْ أَنَّكُمْ إِنْ تَظْلِمُوا، وَتَسْفِكُوا الدِّمَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَتَأْكُلُوا أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَتَغْرِقُوا فِي أَكْلِ الرِّبَا وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، وَتَزِيدُوا ذَنْبًا عَلَى ذَنْبٍ، لَنْ تَكُونَ لَهُ تَبِعَةٌ؟! كَلَّا! ثُمَّ كَلَّا! بَلْ سَيُصْبِحُ كُفْرُكُمْ نَارًا تُحْرِقُكُمْ، وَذُنُوبُكُمْ إِعْصَارًا يُذْهِبُكُمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فِي الْمَغَارَاتِ وَشُقُوقِ الصُّخُورِ وَالْمَنَاطِقِ النَّائِيَةِ! فَهَلْ تَسْتَبْعِدُونَ ذَلِكَ، أَمْ تَحْسَبُونَهُ غَيْرَ مُمْكِنٍ؟! كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، كَذَّبُوا بِإِنْذَارِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاتَّخَذُوهُ هُزُوًا، وَقَالُوا: ﴿مَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، حَتَّى جَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَأَهْلَكَهُمْ جَمِيعًا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَعْضِهِمْ أَثَرٌ، وَبَقِيَتْ مِنْ بَعْضِهِمْ خِرْبَةٌ يَسْكُنُهَا الْبُومُ وَالسَّبُعُ! لَا رَيْبَ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَرْقَهُ وَسَمِعُوا رَعْدَهُ عَلِمُوا أَنَّ إِنْذَارَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ حَقًّا، وَلَكِنْ لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، إِذْ لَمْ تَكُنْ فُرْصَةٌ لِلتَّوْبَةِ وَالْإِصْلَاحِ. [الرسالة السادسة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه فيها ينذر باشتداد البلاء، ويبيّن سببه وطريقة منعه.

اتَّقُوا اللَّهَ، وَلَا تَجَرَّؤُوا عَلَيْهِ، وَلَا تَحْمِلُوا حِلْمَهُ عَلَى الْغَفْلَةِ أَوِ الْعَجْزِ أَوِ الرِّضَى، وَلَا تُسْخِطُوهُ بِالْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ وَالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ! أَتُرِيدُونَ أَنْ يُمْطِرَ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ حِجَارَةً، أَوْ نَارًا تُحْرِقُكُمْ؟! أَوْ يَزِيدَ الْحَرَّ حَتَّى تُطْبَخُوا، أَوِ الْقَرَّ حَتَّى تَجْمُدُوا؟! أَوْ يَرْفَعَ سُطُوحَ الْبِحَارَ حَتَّى تُغَطِّيَ مُدُنَكُمْ؟! أَوْ يُثِيرَ عَلَيْكُمُ الْغُبَارَ الْغَلِيظَ حَتَّى لَا تَسْتَطِيعُوا التَّنَفُّسَ؟! أَوْ يَبْلُغَ بِالْجَفَافِ مَبْلَغًا تَأْكُلُونَ فِيهِ الْكَلْبَ وَالسِّنَّوْرَ؟! أَوْ يَنْشُرَ بَيْنَكُمْ أَمْرَاضًا أَكْثَرَ فَتْكًا حَتَّى تَلْتَقِطُوا أَجْثَاثَكُمْ مِنْ كُلِّ مَعْبَرٍ؟! أَوْ يُسَلِّطَ عَلَيْكُمْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ حَتَّى يُذَبِّحُوا رِجَالَكُمْ وَيَسْتَرِقُّوا نِسَاءَكُمْ؟! أَوْ يُنْزِلَ عَلَيْكُمْ بَلَاءً آخَرَ أَنْتُمْ عَنْ تَصَوُّرِهِ عَاجِزُونَ؟! [الرسالة السادسة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه فيها ينذر باشتداد البلاء، ويبيّن سببه وطريقة منعه.

قَاتَلَكُمُ اللَّهُ! كَأَنَّكُمْ قَدْ صَمِمْتُمْ، فَلَا تَسْمَعُونَ قَوْلِي! أَوْ سَكِرْتُمْ، فَلَا تَعْلَمُونَ مَا أَقُولُ! لِمَ لَا تَتَفَاعَلُونَ؟! أَفَأَمْوَاتٌ أَنْتُمْ؟! أَمْ أَصَابَتْكُمْ صَاعِقَةٌ، فَتَجَمَّدْتُمْ؟! مَاذَا فَعَلْتُمْ، فَتَعِبْتُمْ وَسَئِمْتُمْ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ؟! مَاذَا أَكَلْتُمْ، فَذَبُلْتُمْ وَأَصْبَحْتُمْ وَاهِنِينَ وَغَيْرَ مُبَالِينَ؟! مَعَ أَنَّ الْحُمُرَ تَأْكُلُ الْقَشَّ وَتَحْمِلُ الْأَثْقَالَ وَيَخْتَرِقُ صَوْتُهَا الْمَسَامِعَ! قَدْ أَشْعَلْتُمُ النَّارَ فِي الدُّنْيَا وَقَعَدْتُمْ تَنْظُرُونَ! قَدْ سَلَّطْتُمُ الظَّالِمِينَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَيَفْعَلُونَ بِكُمْ مَا يَشَاءُونَ، وَلَكِنْ لَا تُحَرِّكُونَ جَارِحَةً! إِنَّمَا تَتَأَوَّهُونَ وَتَتَذَمَّرُونَ فِي الْخَلَوَاتِ، كَأَنَّكُمْ بَنَاتٌ أَوْ عَجَائِزُ! أَلَا غَيْرَةَ لَكُمْ أَنْ أَدْخَلُوا صَوْلَجَ الظُّلْمِ فِي إِزَارِكُمْ، فَلَا تَقُولُونَ غَيْرَ «آخ»؟! لِمَاذَا تَرْضَوْنَ بِهَذِهِ الذِّلَّةِ، وَتَصْبِرُونَ عَلَى هَذَا الْحَرَجِ الْمُتَزَايِدِ؟! لِمَاذَا لَا تَأْخُذُونَ حَقَّكُمْ، وَلَا تُطْفِئُونَ الْفِتْنَةَ؟! لِمَاذَا لَا تُرَافِقُونَنِي حَتَّى نُطِيحَ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارَ، وَنُقِيمَ مَقَامَهُمْ مَنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ لِيَمْلَأَ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا؟! لِمَاذَا لَا تَنْصُرُونَنِي حَتَّى نَنْزِعَ زِمَامَ الْأَمْرِ مِنْهُمْ، وَنُسَلِّمَهُ إِلَى إِمَامٍ عَادِلٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ؟! أَلَا تُحِبُّونَ الْعَدْلَ، وَلَا تَرْغَبُونَ فِي السَّعَادَةِ؟! وَالْعَدْلُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَأَجْمَلُ مِنَ الْأَضَالِيَةِ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ! أَمْ تَخَافُونَ أَنْ يَأْخُذُوكُمْ أَوْ يَقْتُلُوكُمْ؟! وَالْمَوْتُ خَيْرٌ مِنَ الْعَيْشِ فِي الذُّلِّ تَحْتَ ظِلَالِ الظَّالِمِينَ، إِنْ كُنْتُمْ تَتَفَكَّرُونَ! أَمْ تَنْظُرُونَ إِلَى عُلَمَائِكُمْ وَكُبَرَائِكُمُ الَّذِينَ قَدْ سَايَرُوهُمْ وَسَكَتُوا أَمَامَ ظُلْمِهِمْ؟! وَإِنَّمَا عُلَمَاؤُكُمْ وَكُبَرَاؤُكُمْ هَؤُلَاءِ حُفْنَةٌ مِنَ السَّفْلَةِ الْخَانَةِ، وَلَهُمْ قَبْوٌ فِي قَعْرِ الْجَحِيمِ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَشَرَوْا جَنَّةَ الْخُلْدِ بِصِيتٍ أَوْ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ! أَمْ قَدْ يَئِسْتُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَظَنَنْتُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ خَلِيفَةٌ فِي الْأَرْضِ؟! مَعَ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ لَا تَنْقَطِعُ، وَالْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ خَلِيفَتِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ غَافِلُونَ! فَالْآنَ اسْمَعُوا نِدَائِي وَأَجِيبُوا دَعْوَتِي، قَبْلَ أَنْ يَفُوتَكُمُ الْأَوَانُ، وَيَأْتِيَكُمْ يَوْمٌ أَتَى أَمْثَالَكُمْ مِنْ قَبْلُ، فَتُؤْخَذُوا مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ، كَمَا أُخِذُوا، وَتُقْذَفُوا فِي نَارٍ حَامِيَةٍ تَأْكُلُ اللَّحْمَ وَتُسَوِّدُ الْعَظْمَ، بَعْدَ مَوْتٍ مُرْعِبٍ وَقَبْرٍ مُظْلِمٍ فِيهِ ضَغْطٌ كَضَغْطِ الْمِكْبَسِ. [الرسالة السادسة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه كتبها في بداية دعوته، فنبّه فيها على أنّه يُعرف بما يدعو إليه، لا باسمه وأوصافه.

اسْتَمِعُوا لِقَوْلِي، وَلَا تَسْأَلُوا مَنْ أَنَا؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ يُعْرَفُ بِقَوْلِهِ، وَالْحَكِيمُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْلِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَى قَائِلِهِ. كَمْ مِنْ صِدْقٍ يَقُولُهُ صَغِيرٌ، وَكَمْ مِنْ كَذِبٍ يَقُولُهُ الْكِبَارُ! الصِّدْقُ صِدْقٌ وَإِنْ قَالَهُ صَغِيرٌ، وَالْكَذِبُ كَذِبٌ وَإِنْ قَالَهُ الْكِبَارُ. فَإِنْ تَعْرِفُوا قَوْلًا لَا يَضُرُّكُمُ الْجَهْلُ بِقَائِلِهِ، وَإِنْ تَجْهَلُوا قَوْلًا لَا تَنْفَعُكُمْ مَعْرِفَةُ قَائِلِهِ. فَاسْتَمِعُوا لِقَوْلِي حَتَّى تَعْرِفُونِي؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ، وَلَا يُعْرَفُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ. إِنَّكُمْ لَمْ تُؤْتَوُا الْأُذُنَ إِلَّا لِتَسْمَعُوا، وَلَمْ تُؤْتَوُا الْعَيْنَ إِلَّا لِتُبْصِرُوا، وَلَمْ تُؤْتَوُا الْعَقْلَ إِلَّا لِمَعْرِفَةِ مَا تَسْمَعُونَ وَتُبْصِرُونَ أَيُّ ذَلِكَ صِدْقٌ وَأَيُّهُ كَذِبٌ. فَاسْمَعُوا قَوْلِي بِآذَانِكُمْ، ثُمَّ تَدَبَّرُوهُ بِعُقُولِكُمْ، لِتَقْبَلُوهُ إِنْ كَانَ صِدْقًا، وَتَرْفُضُوهُ إِنْ كَانَ كَذِبًا. أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ أَنْ لَا تَسْمَعُوا لِكَيْ لَا تَعْرِفُوا، وَلَا تَعْرِفُوا لِكَيْ تَخْسَرُوا، وَهَلِ الْخُسْرَانُ إِلَّا عَقِيبُ الْجَهْلِ؟! [الرسالة الأولى]

رسالة من جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من حبّ الدّنيا.

إِنَّ عِبَادَ اللَّهِ هُمُ الْمُتَّقُونَ، وَهُمْ أَهْلُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْقَوْلِ الطَّيِّبِ، وَأَهْلُ الْوَرَعِ وَالتَّعَفُّفِ؛ الَّذِينَ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ، وَقَرَّتْ فِي مَكَانِهَا بِرَجَائِهِ؛ الَّذِينَ جَفَّتْ شِفَاهُهُمْ مِنَ الذِّكْرِ الْكَثِيرِ، وَخَمُصَتْ بُطُونُهُمْ مِنَ الصِّيَامِ الْمُتَتَابِعِ؛ الَّذِينَ تَخَلَّصَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْ فَخِّ الْهَوَى، وَعَلَا وُجُوهَهُمْ غُبَارُ الْخُشُوعِ؛ الَّذِينَ هَذَّبَ قُلُوبَهُمْ ذِكْرُ الْمَوْتِ، وَأَهَانَ عَلَيْهِمُ الدُّنْيَا ذِكْرُ الْآخِرَةِ؛ سَلَبَهُمُ النَّوْمَ هَمُّ التَّكَالِيفِ، وَمَنَعَهُمُ الْأَكْلَ غَمُّ الْحُقُوقِ؛ اسْتَأْنَسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ النَّاسُ، وَاسْتَوْحَشُوا مِمَّا اسْتَأْنَسَ بِهِ النَّاسُ؛ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ عَنْ قَرِيبٍ يَرْتَحِلُونَ إِلَى دِيَارٍ أُخْرَى، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَتَزَوَّدُوا لِهَذِهِ الرِّحْلَةِ؛ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَمَامَهُمْ طَرِيقًا طَوِيلًا، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ تَخَطِّي عَقَبَاتٍ وَعْرَةٍ؛ طَرِيقًا لَمْ يَرْجِعْ سَالِكُوهُ أَبَدًا، وَعَقَبَاتٍ كَأَنَّهَا ابْتَلَعَتْ مُسَافِرِيهَا. آهٍ، مَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنَ الْغَدِ! فَإِنَّهُمْ يَبْكُونَ مِنْ فِكْرَةِ هَذِهِ الرِّحْلَةِ، وَيَسْتَعِدُّونَ لَهَا؛ كَأَنَّهُمْ يَلْفِظُونَ أَنْفَاسَهُمُ الْأَخِيرَةَ، أَوْ كَأَنَّهُمْ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا! [الرسالة الثانية]

في بيان أنّ الرأي والرواية لا يغنيان أحدًا من خليفة اللّه في الأرض، حتّى لو لم يكن متمكّنًا من الوصول إليه.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: أَرَأَيْتَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لَهُ مِنْ بُدٍّ أَوْ مَنْدُوحَةٍ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ وَيَقْدِرْ عَلَيْهِ؟ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ كَأَنَّهُ يَتَفَكَّرُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: لَا، قُلْتُ: وَاللَّهِ يَهْلِكُ إِذَنْ! قَالَ: نَعَمْ وَهُوَ صَاغِرٌ! [الفقرة ٢ من القول ٩]

في بيان أنّ الرأي والرواية لا يغنيان أحدًا من خليفة اللّه في الأرض، حتّى لو لم يكن متمكّنًا من الوصول إليه.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ فَقَدْ شَقَى! قُلْتُ: وَإِنِ اجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ؟! قَالَ: وَإِنِ اجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ! قُلْتُ: وَإِنْ عَمِلَ بِالرِّوَايَةِ؟! قَالَ: وَإِنْ عَمِلَ بِالرِّوَايَةِ! [الفقرة ٤ من القول ٩]

في أنّه لا يدّعي لنفسه شيئًا خاصًّا، على الرغم من أنّه ليس يائسًا من فضل اللّه عليه.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ وَعِنْدَهُ رِجَالٌ، فَمَكَثْتُ حَتَّى خَرَجَ الرِّجَالُ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ وَقَالَ: أَلَكَ إِلَيَّ حَاجَةٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَسْأَلَةٌ، وَأَخَذْتُ أَرْتَعِدُ مِنْ مَهَابَتِهِ، فَقَالَ: سَلْ وَهَوِّنْ عَلَيْكَ! قُلْتُ: أَنْتَ الْخُرَاسَانِيُّ؟! قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ! قُلْتُ: لَا أُرِيدُ هَذَا، وَلَكِنْ أُرِيدُ الَّذِي يُوَطِّئُ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ! قَالَ: أَنَا أُوَطِّئُ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ! قُلْتُ: لَا أُرِيدُ هَذَا، وَلَكِنْ أُرِيدُ الَّذِي يُؤَدِّي الرَّايَةَ إِلَى الْمَهْدِيِّ! قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ أَنْ تَقُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ؟! فَدَخَلَ رَجُلَانِ فَقَطَعَا عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَقَضَى حَاجَتَهُمَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ أُوتِيَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ، فَنَظَرَ فِيهِ، فَوَجَدَ فِيهِ اسْمَهُ وَصِفَتَهُ، فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ أَكُنْ عِنْدَهُ مَنْسِيًّا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَثْبَتَنِي عِنْدَهُ فِي صَحِيفَةِ الْأَبْرَارِ! فَلَمْ يَزِدْ عَلَى حَمْدِ اللَّهِ شَيْئًا وَلَمْ يُجَادِلْ فِي ذَلِكَ أَحَدًا! [الفقرة ١ من القول ١٠]

في أنّه لا يدّعي لنفسه شيئًا خاصًّا، على الرغم من أنّه ليس يائسًا من فضل اللّه عليه.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: كُنْتُ مَعَ الْمَنْصُورِ فِي مَجْلِسٍ، وَكَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَيُجِيبُهُمْ، فَلَمَّا فَرِغُوا مِنْ أَسْئِلَتِهِمْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ آتَاكَ عِلْمًا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ وَعَدَنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ رَجُلًا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ يُقَالُ لَهُ الْمَنْصُورُ، يُوَطِّئُ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ، وَأَنْتَ مَعَ عِلْمِكَ هَذَا وَدَعْوَتِكَ إِلَى الْمَهْدِيِّ يُقَالُ لَكَ الْمَنْصُورُ، فَهَلْ أَنْتَ هُوَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ! فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِ الرَّجُلُ قَالَ: لَوْ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ مَا قُلْنَا وَسَكَتُّمْ عَمَّا سَكَتْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَكُمْ! فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ وَيَقُولُونَ: لَوْ جَاءَ ذَلِكَ الَّذِي وُعِدْنَا لَتَظَاهَرَ لِلنَّاسِ وَلَمْ يَسْتَتِرْ عَنْهُمْ! قَالَ: كَذَبُوا! أَمَا بَلَغَهُمْ قَوْلُ عَلِيٍّ فِيهِ: «أَلَا وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِيرٍ، وَيَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ، لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقًا، وَيُعْتِقَ فِيهَا رِقًّا، وَيَصْدَعَ شَعْبًا، وَيَشْعَبَ صَدْعًا، فِي سُتْرَةٍ عَنِ النَّاسِ، لَا يُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَلَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ»؟! قَالَ الرَّجُلُ: إِنَّا نَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ وَرُبَّمَا نُخَاصِمُهُمْ! قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْخُصُومَةَ، فَإِنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ، وَتُورِثُ النِّفَاقَ، وَتَكْسِبُ الضَّغَائِنَ! إِنَّمَا عَلَيْكُمُ الدَّعْوَةُ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمُ الْخُصُومَةُ! قَالَ الرَّجُلُ: كَيْفَ لَا نُخَاصِمُهُمْ وَهُمْ يَسْأَلُونَنَا؟! قَالَ: إِذَا سَأَلُوكُمْ لِيُخَاصِمُوكُمْ فَلَا تُجِيبُوهُمْ، وَقُولُوا لَهُمْ: ﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ! [الفقرة ٥ من القول ١٠]

في أنّه لا يدّعي لنفسه شيئًا خاصًّا، على الرغم من أنّه ليس يائسًا من فضل اللّه عليه.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْمَنْصُورِ فِي مَسْجِدٍ، نَسْأَلُهُ عَنِ الْعَقِيدَةِ وَالشَّرِيعَةِ فَيُجِيبُنَا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالٌ لَا نَعْرِفُهُمْ، فَقَالُوا: أَفِيكُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْمَنْصُورُ؟! فَسَكَتْنَا وَلَمْ نَرُدَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى قَالَ لَهُمُ الْمَنْصُورُ: نَعَمْ، أَنَا هُوَ! فَالْتَفَتُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: هَلْ أَنْتَ خَلِيفَةُ الْمَهْدِيِّ؟! قَالَ: وَهَلْ جَاءَ الْمَهْدِيُّ حَتَّى يَكُونَ لَهُ خَلِيفَةٌ؟! قَالُوا: لَا نَدْرِي، وَلَكِنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا مِنْ أَصْحَابِكَ أَخْبَرُونَا بِأَنَّكَ خَلِيفَةُ الْمَهْدِيِّ! قَالَ: مَا أَنَا أَمَرْتُهُمْ بِذَلِكَ! قَالُوا: أَلَيْسُوا هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِكَ يَدْخُلُونَ عَلَيْكَ صَبَاحًا وَمَسَاءً؟! فَظَهَرَ فِي وَجْهِ الْمَنْصُورِ الْغَضَبُ، فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِي، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَصْحَابِي لَاتَّبَعُونِي! فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ أَغْضَبُوهُ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَأَقْبَلَ الْمَنْصُورُ عَلَيْنَا وَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَحْمِلُونَ النَّاسَ عَلَى أَكْتَافِنَا؟! أَلَا يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ؟! حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَلَا تُحَدِّثُوهُمْ بِمَا لَا يَعْرِفُونَ، فَتُغْرُونَهُمْ بِنَا! [الفقرة ٧ من القول ١٠]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى ابْنُ قَانِعٍ [ت٣٥١هـ] فِي «مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ»، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ زِيَادَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَهِي «وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ»، وَلَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «حَدَّثَنِي قَتَادَةُ هَذَا الْحَدِيثَ وَزَعَمَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الشَّامِ»، وَهَكَذَا كُلُّ مَا يُوجَدُ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي ذَيْلِ رِوَايَاتِ الْبَابِ مِمَّا يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ تَأْوِيلًا لِلْحَدِيثِ، وَقَدْ لَبَّسُوهُ عَلَى النَّاسِ لِتَحْرِيضِهِمْ عَلَى طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ وَبَسْطِ الْفُتُوحَاتِ عَلَى عَهْدِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهَا مَدْسُوسَةٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَسَّتْهُ أَيْدِي الشَّامِيِّينَ، فَتَبَصَّرْ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ. [الباب ١، الدرس ٣٤]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ [ت٢٧٧هـ] فِي «الْمَعْرِفَةِ وَالتَّارِيخِ»، قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو يَعْنِي الْأَوْزَاعِيَّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْوِيهِ -يَعْنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، لَا يُبَالُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ قَتَادَةَ، فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أُولَئِكَ إِلَّا أَهْلَ الشَّامِ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: ضَلَّ قَتَادَةُ فِي تَأْوِيلِهِ ضَلَالًا مُبِينًا، فَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ لَمْ يَكُونُوا عَلَى الْحَقِّ دَائِمًا، وَلَمْ يَكُونُوا ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ دَائِمًا، وَكَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَأَكْثَرُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِمَّنْ خَالَفَهُمْ مُنْذُ بُويِعَ عَلِيٌّ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فَضْلٌ إِنْ كَانُوا لَا يُبَالُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ شَرًّا لَهُمْ، وَإِنِّي لَأَتَعَجَّبُ مِنْ قَوْمٍ مَسَخَ اللَّهُ عُقُولَهُمْ حَتَّى حَسِبُوا أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ أَهْلُ الشَّامِ! [الباب ١، الدرس ٣٥]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الرِّبْعِيُّ [ت٤٤٤هـ] فِي «فَضَائِلِ الشَّامِ وَدِمَشْقَ»، ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهَا، وَعَلَى أَبْوَابِ أَنْطَاكِيَةَ وَمَا حَوْلَهَا، وَعَلَى أَبْوَابِ دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهَا، وَعَلَى أَبْوَابِ الطَّالَقَانِ وَمَا حَوْلَهَا، ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يُبَالُونَ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ نَصَرَهُمْ، حَتَّى يُخْرِجَ اللَّهُ كَنْزَهُ مِنَ الطَّالَقَانِ، فَيُحْيِي بِهِ دِينَهُ كَمَا أُمِيتَ مِنْ قَبْلُ».

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا تَأْوِيلٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَقَدْ أَدْخَلُوهُ فِي الْحَدِيثِ تَقْوِيَةً لِأَهْلِ الثُّغُورِ، وَمُرَادُهُمْ بِكَنْزِ اللَّهِ الَّذِي يُخْرِجُهُ اللَّهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيُحْيِي بِهِ دِينَهُ كَمَا أُمِيتَ مِنْ قَبْلُ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ مَعَ رَايَاتٍ سُودٍ فَيُوَطِّئُ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ، وَالطَّالَقَانُ مَدِينَةٌ قَدِيمَةٌ فِي خُرَاسَانَ، فَتَحَهَا الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَخَرَجَ مِنْهَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ آمِلِينَ أَنْ يَكُونُوا ذَلِكَ الْكَنْزَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْحَدِيثِ فِي الْقُرُونِ الْأُولَى، وَأَصْلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَعْثَمَ [ت٣١٤هـ] فِي كِتَابِ «الْفُتُوحِ» عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ وَصَفَ لِعُمَرَ بِلَادَ خُرَاسَانَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي فَتْحِهَا، فَوَصَفَ لَهُ مَرْوَ وَخَوارَزْمَ وَبُخَارَا وَسَمَرْقَنْدَ وَالشَّاشَ وَفَرْغَانَةَ وَأَسْفِيجَابَ، ثُمَّ قَالَ: «وَيْحًا لِلطَّالَقَانِ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا كُنُوزًا لَيْسَتْ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، وَلَكِنْ بِهَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ عَرَفُوا اللَّهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَهُمْ أَنْصَارُ الْمَهْدِيِّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ»، فَرَغِبَ عُمَرُ فِي فَتْحِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [الباب ١، الدرس ٣٥]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ [ت٢٩٠ه‍] فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْحُجْرِ، عَنْ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، قَالَ: هُمُ الْأَئِمَّةُ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ مُنَاسِبٌ لِلْأَئِمَّةِ، إِذْ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَهْدُوا النَّاسَ وَيَعْدِلُوا بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ، ... وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ إِمَامٍ هَادٍ عَادِلٍ بِالْحَقِّ؛ كَمَا اعْتَرَفَ بِذَلِكَ عُقَلَاءُ الْقَوْمِ قَدِيمًا وَجَدِيدًا؛ مِثْلُ الْجُبَّائِيِّ [ت٣٠٣ه‍] إِذْ قَالَ: «هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو زَمَانٌ الْبَتَّةَ عَمَّنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيَهْدِي إِلَيْهِ»، وَالنَّحَّاسِ [ت٣٣٨ه‍] إِذْ قَالَ: «دَلَّ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا تَخْلُو الدُّنْيَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ»، وَالْقُرْطُبِيِّ [ت٦٧١ه‍] إِذْ قَالَ: «دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُخَلِّي الدُّنْيَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ»، وَالْخَازِنِ [ت٧٤١ه‍] إِذْ قَالَ: «فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو زَمَانٌ مِنْ قَائِمٍ بِالْحَقِّ يَعْمَلُ بِهِ وَيَهْدِي إِلَيْهِ»، وَقَالَ ابْنُ الْجُوزِيِّ [ت٥٩٧ه‍]: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُخَلِّي الْأَرْضَ مِنْ قَائِمٍ لَهُ بِالْحُجَّةِ، جَامِعٍ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، عَارِفٍ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، خَائِفٍ مِنْهُ، فَذَلِكَ قُطْبُ الدُّنْيَا، وَمَتَى مَاتَ أَخْلَفَ اللَّهُ عِوَضَهُ، وَرُبَمَا لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَرَى مَنْ يَصْلُحُ لِلنِّيَابَةِ عَنْهُ فِي كُلِّ نَائِبَةٍ، وَمِثْلُ هَذَا لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْهُ، فَهُوَ بِمَقَامِ النَّبِيِّ فِي الْأُمَّةِ»، ... وَهَذَا قَوْلُنَا الَّذِي نَقُولُ بِهِ، وَالْعَجَبُ مِنْ أَقْوَامٍ يُنْكِرُونَهُ عَلَيْنَا وَهُمْ يَجِدُونَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ قَدِيمًا وَجَدِيدًا! [الباب ١، الدرس ٥٤]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ ابْنُ الْجُوزِيِّ [ت٥٩٧ه‍]: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُخَلِّي الْأَرْضَ مِنْ قَائِمٍ لَهُ بِالْحُجَّةِ، جَامِعٍ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، عَارِفٍ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، خَائِفٍ مِنْهُ، فَذَلِكَ قُطْبُ الدُّنْيَا، وَمَتَى مَاتَ أَخْلَفَ اللَّهُ عِوَضَهُ، وَرُبَمَا لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَرَى مَنْ يَصْلُحُ لِلنِّيَابَةِ عَنْهُ فِي كُلِّ نَائِبَةٍ، وَمِثْلُ هَذَا لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْهُ، فَهُوَ بِمَقَامِ النَّبِيِّ فِي الْأُمَّةِ»، انْتَهَى قَوْلُهُ، وَهَذَا قَوْلُنَا الَّذِي نَقُولُ بِهِ، وَالْعَجَبُ مِنْ أَقْوَامٍ يُنْكِرُونَهُ عَلَيْنَا وَهُمْ يَجِدُونَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ قَدِيمًا وَجَدِيدًا! فَهَلْ يَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا قَوْلَنَا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا؟! وَلَا نَقُولُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ آبَاؤُنَا، وَلَكِنْ لِمَا نَجِدُ مِنْ فَضْلِهِمْ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا نُنْكِرُ فَضْلَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ صَاحَبَ نَبِيَّنَا، وَلَكِنْ لَا يُقَاسُ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا أَحَدٌ؛ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا إِذَا عَدَّدْنَا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! فَعَلِيٌّ؟ قَالَ: وَيْحَكَ، عَلِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، لَا يُقَاسُ بِهِمْ أَحَدٌ»، وَهَذَا قَوْلٌ مَشْهُورٌ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ [ت٢٤١ه‍]، وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَيْهِ التَّشَيُّعُ؛ كَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ أَبِي، قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: يَا أَبَتِ، ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ، قُلْتُ: يَا أَبَتِ، ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُثْمَانُ، قُلْتُ: يَا أَبَتِ، فَعَلِيٌّ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، عَلِيٌّ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ لَا يُقَاسُ بِهِمْ أَحَدٌ»، ... وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَقُولُ بِهِ كُلُّ عَالِمٍ، وَقَدْ قَالَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِذَا قُلْنَا بِهِ نَحْنُ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ: هَؤُلَاءِ مِنَ الرَّافِضَةِ! ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ! [الباب ١، الدرس ٥٤]

يوجد إشارات كثيرة إلى الإمام المهديّ عليه السلام وعصر حكومته في التوراة والإنجيل وليس ذلك بعجيب؛ لأنّ اللّه تعالى أنزلهما كما أنزل القرآن وفيهما كلامه وإن وقع فيهما بعض التحريفات من قبل الكاتبين والمترجمين والمفسّرين ونحن نقوم بسرد بعض إشاراتهما فيما يلي: جاء في كتاب إِشَعْياء: «يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ، وَيُعْطَى لَنَا ابْنٌ، تَكُونُ السُّلْطَةُ فِي يَدِهِ، وَيُدْعَى مُشِيرًا عَجِيبًا، رَبًّا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلَامِ؛ تَمْتَدُّ سُلْطَتُهُ وَسَلَامُهُ بِلَا نِهَايَةٍ، عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ وَمَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَسْنُدَهَا بِالْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ، مِنَ الْآنَ إِلَى الْأَبَدِ. غِيرَةُ اللَّهِ الْقَدِيرِ تَصْنَعُ هَذَا» ... «إِنَّ الظَّالِمَ يَبِيدُ، وَيَنْتَهِي الْخَرَابُ، وَيَفْنَى عَنِ الْأَرْضِ الدَّائِسُونَ. فَيُثَبَّتُ الْكُرْسِيُّ بِالرَّحْمَةِ، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ بِالْأَمَانَةِ فِي خَيْمَةِ دَاوُدَ حَاكِمٌ، وَيَطْلُبُ الْحَقَّ وَيُبَادِرُ بِالْعَدْلِ». [السؤال والجواب ٤٢١]

[إشارات التوراة والإنجيل إلى الإمام المهديّ وعصر حكومته] جاء في كتاب إشعياء: «هُوَذَا بِالْعَدْلِ يَمْلِكُ مَلِكٌ، وَرُؤَسَاءُ بِالْحَقِّ يَتَرَأَّسُونَ. وَيَكُونُ إِنْسَانٌ كَمَخْبَأٍ مِنَ الرِّيحِ وَسِتَارَةٍ مِنَ السَّيْلِ، كَسَوَاقِي مَاءٍ فِي مَكَانٍ يَابِسٍ، كَظِلِّ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فِي أَرْضٍ مُعْيِيَةٍ. وَلَا تَحْسِرُ عُيُونُ النَّاظِرِينَ، وَآذَانُ السَّامِعِينَ تَصْغَى، وَقُلُوبُ الْمُتَسَرِّعِينَ تَفْهَمُ عِلْمًا، وَأَلْسِنَةُ الْعَيِيِّينَ تُبَادِرُ إِلَى التَّكَلُّمِ فَصِيحًا. وَلَا يُدْعَى اللَّئِيمُ بَعْدُ كَرِيمًا، وَلَا الْمَاكِرُ يُقَالُ لَهُ نَبِيلٌ... إِلَى أَنْ يُسْكَبَ عَلَيْنَا رُوحٌ مِنَ الْعَلَاءِ، فَتَصِيرَ الْبَرِّيَّةُ بُسْتَانًا، وَيُحْسَبَ الْبُسْتَانُ وَعْرًا. فَيَسْكُنُ فِي الْبَرِّيَّةِ الْحَقُّ، وَالْعَدْلُ فِي الْبُسْتَانِ يُقِيمُ. وَيَكُونُ صُنْعُ الْعَدْلِ سَلَامًا، وَعَمَلُ الْعَدْلِ سُكُونًا وَطُمَأْنِينَةً إِلَى الْأَبَدِ. وَيَسْكُنُ شَعْبِي فِي مَسْكَنِ السَّلَامِ، وَفِي مَسَاكِنَ مُطْمَئِنَّةٍ وَفِي مَحَلَّاتٍ أَمِينَةٍ». [السؤال والجواب ٤٢١]

[إشارات التوراة والإنجيل إلى الإمام المهديّ وعصر حكومته] جاء في كتاب إشعياء: «هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلْأُمَمِ. لَا يَصِيحُ وَلَا يَرْفَعُ وَلَا يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. لَا يَقْصِفُ قَصَبَةً مَرْضُوضَةً، وَلَا يُطْفِئُ فَتِيلَةً خَامِدَةً. يُجْرِي الْحَقَّ بِأَمَانَةٍ. لَا تَرْتَخِي عَزِيمَتُهُ وَلَا تَثْبُطُ هِمَّتُهُ، إِلَى أَنْ يُثَبِّتَ الْحَقَّ عَلَى الْأَرْضِ. تَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ. هَكَذَا يَقُولُ اللَّهُ الرَّبُّ، خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ الْأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا، مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا: <أَنَا اللَّهُ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلْأُمَمِ، لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، وَتُخْرِجَ الْأَسْرَى مِنَ السِّجْنِ، وَتُحَرِّرَ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. أَنَا اللَّهُ هَذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لَا أُعْطِيهِ لِآخَرَ، وَلَا تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ. هُوَذَا الْأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ، وَالْحَدِيثَاتُ أَنَا مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ تَحْدُثَ أُخْبِرُكُمْ بِهَا>». [السؤال والجواب ٤٢١]

[إشارات التوراة والإنجيل إلى الإمام المهديّ وعصر حكومته] جاء في كتاب دانيال: «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ، أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الْأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالْأُمَمِ وَالْأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لَا يَنْقَرِضُ. وَالْمَمْلَكَةُ وَالسُّلْطَانُ وَعَظَمَةُ الْمَمْلَكَةِ تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ تُعْطَى لِشَعْبِ قِدِّيسِيَ الْعَلِيِّ. مَلَكُوتُهُ مَلَكُوتٌ أَبَدِيٌّ، وَجَمِيعُ السَّلَاطِينِ إِيَّاهُ يَعْبُدُونَ وَيُطِيعُونَ». [السؤال والجواب ٤٢١]

[إشارات التوراة والإنجيل إلى الإمام المهديّ وعصر حكومته] جاء في كتاب ملاخي: «الْمَوْلَى الَّذِي تَنْتَظِرُونَهُ يَأْتِي فَجْأَةً إِلَى بَيْتِهِ، سَيَأْتِي رَسُولُ الْعَهْدِ الَّذِي تُرِيدُونَهُ. هَذَا كَلَامُ رَبِّ الْجُنُودِ. وَلَكِنْ مَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ؟ وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَ ظُهُورِهِ؟ لِأَنَّهُ سَيَكُونُ كَنَارٍ تُنَقِّي، وَكَصَابُونٍ يُنَظِّفُ. وَيَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ: آتِي إِلَيْكُمْ لِأُحَاكِمَكُمْ، وَأَشْهَدَ بِسُرْعَةٍ ضِدَّ السَّحَرَةِ وَالزُّنَاةِ وَمَنْ يَحْلِفُونَ كِذْبًا وَمَنْ يَسْلُبُونَ أُجْرَةَ الْعُمَّالِ وَحَقَّ الْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ وَيَظْلِمُونَ الْغُرَبَاءَ وَلَا يَخَافُونِي». [السؤال والجواب ٤٢١]

انظر حولك؛ كم ترى من أضاع أفضل سنوات شبابه في دعم ألعاب سياسيّة حمقاء أو ادّعاءات كاذبة جنونيّة، ولكن لا يخصّص ساعة للتعرّف على النهضة العقلانيّة والقرآنيّة «العودة إلى الإسلام» ودعم زعيمها العالم الذي لا يدّعي لنفسه شيئًا! انظر حولك مرّة أخرى؛ كم ترى من يلقي بثروات طائلة في بحر الأوهام والأماني، أملًا في كسب الأجر وخدمة الإسلام، لكنّه لا ينفق فلسًا في سبيل التمهيد لظهور المهديّ عليه السلام وملء الأرض قسطًا وعدلًا! أولئك الذين أخبر اللّه تعالى عنهم فقال: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ۝ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا. طبعًا لا شكّ أن هذا المكتب في سبيل استمرار رسالته العقليّة والشرعيّة، لا يعتمد على دعم أيّ شخص في العالم إلا ربّه، وسيستمرّ في طريقه المستقيم على الرغم من كلّ المتاعب والصعوبات المتصوّرة، حتى يصل إلى مثله الأعلى المقدّس، وهو إظهار المهديّ عليه السلام وإيصاله إلى الحكم. فذر الذين يملكون السلطة والثروة في الحياة الدنيا ولا ينفقونها في سبيل اللّه، يغترّوا بسلطتهم وثروتهم؛ لأنّنا لسنا في حاجة إليهم، وليست سلطتهم وثروتهم أكثر قيمة عندنا من ميتة كلب. ﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ وليست لأصحاب السلطة والثروة، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. [الشبهة والرّدّ ١٤]

إنّ المنصور الهاشمي الخراساني هو مجرّد عالم مسلم، نهض بهدف إظهار المهديّ عليه السلام وإيصاله إلى السلطة، ويدعو المسلمين إلى مبايعته بدلًا من مبايعة الآخرين، وبهذه الطريقة يمهّد لإقامة الإسلام الخالص والكامل في العالم ولهذا السبب، يجب على كلّ مسلم نصره. مع ذلك، إن تبيّن لك ولبعض المسلمين الآخرين، لأيّ سبب من الأسباب، أنّه موعود أيضًا بالإضافة إلى هذه الصّفة العينيّة والمشهودة، فإنّ نصره واجب عليكم من باب أولى؛ كما أنّ نصره واجب على المسلمين الذين لم يتبيّن لهم هذا الأمر؛ لأنّ هذا العالم المسلم يدعو إلى المهديّ عليه السلام ويمهّد لظهوره بشكل عينيّ ومشهود، وهذا يكفي لنصرته من قبل أيّ مسلم يخاف اللّه واليوم الآخر؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى... لا يأخذ المنصور الهاشمي الخراساني لنفسه بيعة من أيّ مسلم؛ لأنّه يرى أنّ البيعة للّه وحده، ويريد بذلك أنّ البيعة لمن قد أمر اللّه بمبايعته، وما هو في زماننا هذا إلا المهديّ الذي يجب على كلّ مسلم مبايعته. بناءً على هذا، فإنّ المنصور الهاشمي الخراساني يأخذ البيعة من مسلمي العالم للمهديّ؛ بمعنى أنّه يأخذ منهم عهدًا وموثقًا على أنّهم إن ظهر لهم المهديّ سيحفظونه وينصرونه ويطيعونه، ولا يخذلونه كما خذله الذين من قبلهم. هذا هو موضوع الميثاق الذي يأخذه المنصور الهاشمي الخراساني من كلّ مسلم، وإذا واثقه عدد كافٍ من المسلمين على هذا الموضوع، فسيتمّ تهيئة الظروف لظهور المهديّ إن شاء اللّه. [الشبهة والرّدّ ١٥]

الرسالة الرئيسيّة والواضحة لهذا الكتاب العظيم [كتاب «العودة إلى الإسلام»]، ليست فقطّ «نفي الآخرين»، بل «إثبات المهديّ» و«نفي الآخرين»، وهذا هو مظهر «لا إله إلا اللّه» وتأويل «البيعة للّه» وشعار المنصور الهاشمي الخراساني وركيزة دعوته. كلّ كلام هذا العالم المصلح والمجاهد هو أنّه لا حكومة إلا للّه، ومراده بحكومة اللّه، على عكس مراد الخوارج السخيف والخاطئ، ليس عدم حكومة الإنسان، بل حكومة إنسان اختاره اللّه ونصّ عليه بواسطة كتابه وسنّة نبيّه المتواترة أو بواسطة آية بيّنة، وهو «المهديّ» الذي يعيش الآن بين الناس، لكنّه غائب أي مستتر، وسبب غيبته، خلافًا لتصوّر أكثر الناس، ليس إرادة اللّه وفعله الإبتدائيّين، بل إرادة الناس وفعلهم الإبتدائيّين، إذ أخافوه على نفسه ولم يوفّروا الظروف المناسبة لحكومته ولذلك، فهم مسؤولون عن جميع عواقب وتبعات غيبته، وإن اعُتبرت هذه العواقب والتبعات «طريقًا مسدودًا في أمّة آخر الزمان»؛ لأنّ هذا «الطريق المسدود» لا يُنسب إلى «الإسلام» حتّى يتعارض مع «كماله»، بل يُنسب إلى الناس الذين سبّبوه بسوء اختيارهم؛ ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ. [الشبهة والرّدّ ١٦]

استراتيجيّة المنصور الهاشمي الخراساني لظهور المهديّ وحكومته هي استراتيجيّة شاملة ذات أبعاد أمنيّة وثقافيّة وسياسيّة؛ لأنّه من أجل ظهور المهديّ بمعنى إمكانيّة الوصول إليه، يرى من الضروريّ وجود عدد كافٍ من المسلمين الأقوياء والأمناء لحمايته من الأخطار المحتملة؛ نظرًا لأنّه يرى أنّ السبب الوحيد لعدم ظهوره بمعنى عدم إمكانيّة الوصول إليه، هو خوفه من القتل أو الأسر، ويعتقد أنّه إذا تمّ ضمان سلامته من قبل هذا العدد من المسلمين فإنّ ظهوره بمعنى إمكانيّة الوصول إليه أمر محتوم. بناء على هذا، فإنّه بمقتضى وجوب التمهيد لظهور المهديّ عقلًا وشرعًا، يسعى لجمع عدد كافٍ من المسلمين الأقوياء والأمناء لحمايته من الأخطار المحتملة ويطلب منهم جميعًا المساعدة لهذا الغرض؛ لأنّ في رأي هذا العالم الصدّيق، سيكون ظهور المهديّ أمرًا حتميًّا إذا كان أمنه مضمونًا، حتّى لو لم تكن حكومته ممكنة؛ إذ ليس هناك تلازم بين ظهوره وحكومته، وظهوره بدون حكومته مفيد أيضًا، بل ظهوره مقدّمة لحكومته؛ لأنّ حكومة من ليس بظاهر صعبة، وعليه فإنّ التمهيد لظهوره مقدّمة للتمهيد لحكومته. [الشبهة والرّدّ ١٦]

يرى المنصور الهاشمي الخراساني أنّ شرط حكومة المهديّ هو اجتماع عدد كافٍ من الناس على إعانته وطاعته، ويعتقد أنّ قيامه بالحكومة سيكون أمرًا محتومًا إذا تعهّد هذا العدد منهم بهذه الإعانة والطاعة؛ لأنّ الحكومة ليست حقًّا للمهديّ فحسب، بل تكليف له أيضًا، بحيث أنّه لو لم يقم بها بعد توفّر الشروط لكان من الحقّ أن يُضرب عنقه؛ كما جاء في الرواية عن عليّ عليه السلام: «وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَضُرِبَتْ عُنُقُهُ»؛ نظرًا لأنّه في هذه الحالة سيكون هو المسؤول الوحيد عن جميع المفاسد والمظالم الجارية على الأرض. لذلك، فإنّ المنصور الهاشمي الخراساني، بينما يجمع عددًا كافيًا من المسلمين لحماية المهديّ، يجمع عددًا كافيًا منهم لإعانته وطاعته، ويطلب منهم جميعًا المساعدة لهذا الغرض؛ لأنّ في رأي فريد دهره هذا، ستكون حكومة المهديّ أمرًا حتميًّا إذا كانت إعانته وطاعته مضمونة، وهذا الضمان يسمّى في الإسلام «البيعة». لذلك، فإنّ المنصور الهاشمي الخراساني يأخذ من مسلمي العالم بيعة للمهديّ؛ بمعنى أنّه يأخذ ميثاقهم أنّه مهما جاءهم المهديّ سيعينونه ويطيعونه، ولا يخذلونه ولا يعصونه كما فعلوا مع خلفاء اللّه من قبله، وبالتالي إذا بايعه عدد كافٍ من المسلمين على الإعانة والطاعة للمهديّ سيتحقّق لهم حكومته بإذن اللّه؛ كما إذا بايعه عدد كافٍ من المسلمين على حماية المهديّ سيتحقّق لهم ظهوره بإذن اللّه. هذه خطّة كاملة ودقيقة صادرة من العقل توافق كتاب اللّه وسنّة نبيّه ولذلك، كلّ من استنكف عن قبولها فهو في ضلال بعيد. [الشبهة والرّدّ ١٦]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

مجموعة من الناس ليسوا على علم بنشر الكتاب الشريف «العودة إلى الإسلام». هذه فجوة يجب ملئها في أسرع وقت بمساعدة المسلمين على مزيد من الإعلام حول هذا الكتاب الشريف حتّى يأتي يوم لا يوجد مسلم ليس على علم به ولم يقرأه ولم يفهمه... مجموعة من الناس قد تناولوا الكتاب وقرؤوه، لكنّهم لم يفهموه أو بعض أجزائه بشكل كامل وصحيح ولذلك لا يهتمّون به. من الواضح أنّ هذه المشكلة لها حلّ بسيط. جميع المسلمين الذين فازوا بتناول هذا الكتاب من طرق شتّى، يمكنهم حلّ مشاكلهم في فهمه من خلال الرجوع إلى قسم الشروح وقسم الشبهات والردود وقسم الأسئلة والأجوبة من الموقع الإعلامي للعلامة المنصور الهاشمي الخراساني... مجموعة من الناس قد تناولوا الكتاب بطريقة ما ولكن لم يدركوا أهمّيّته أو لم يجدوا فرصة لقراءته بتركيز بسبب المشاكل اليوميّة ولذلك وضعوه في الأولويّات التالية أو تركوه في زاوية بعيدة. مع الأسف، إنّ الروتينات والمشاكل الجارية للحياة ألم شائع يمنع الإلتفات إلى الحقيقة، لكن في الواقع إذا علم الناس أنّ حلّ مشاكلهم اليوميّة هذه كارتفاع الأسعار واستئجار المسكن ومشاكل تعليم الأطفال وتربيتهم والمشاكل العائلية وما شابه ذلك، هو مكتوب في كتاب «العودة إلى الإسلام»، عسى أن يخصّصوا في بحبوحة الروتينات والمشاكل وقتًا لقراءة هذا الكتاب والتدبّر فيه ويتغيّر رأيهم حوله تمامًا ويقرؤوه بالكثير من الفضول والدقّة. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

مجموعة من الناس هم الذين قد قرؤوا الكتاب وأدركوا الحقائق الموجودة فيه، لكن بسبب القمع والضغط الحاكمين على البيئة السياسية في بلدهم قد يخافون أن يتكلّموا حوله! ما يجب ذكره لهؤلاء الناس، هو الخوف من اللّه ويوم القيامة؛ لأنّ محتوى هذا الكتاب ليس إلا الإسلام الخالص والكامل القائم على أساس اليقينيّات أعني آيات القرآن والسنّة المتواترة والبراهين العقليّة المحكمة وهو مثال واضح على المعروف. لذلك، إنّ الدعوة إليه هي مثال واضح على الأمر بالمعروف وبالتالي واجبة. بناء على هذا، إنّ من يخاف مؤاخذة الحكومات أكثر ممّا يخاف مؤاخذة اللّه، ليس بشخص ذكيّ وحكيم، بل هو خاطئ وسيصبح خاسرًا ونادمًا. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

إنّ بعض الناس يقرؤون الكتاب ويفهمونه، لكنّهم لا يقبلونه ولا يستحسنونه أو بعض أجزائه على الأقلّ، نظرًا إلى كونه جديدًا بديعًا واختلافه الواضح عن القرائات الرائجة والمشهورة. هذه الطريقة أيضًا طريقة غير صحيحة؛ لأنّ كلّ شيء ما سوى اللّه سبحانه حادث وتمّ إيجاده في زمان ما وهذا لا يدلّ على كونه باطلًا! في الواقع، إنّ نفس العقائد والأعمال القديمة التي يعتبرها الناس صحيحة وقد اعتادوها، لم تكن موجودة من اليوم الأوّل وتعتبر جديدة وبديعة بالنسبة إلى العقائد والأعمال السابقة عليها وإن قبلنا هذه الطريقة فلا يبقى أيّ حقّ! من الواضح أنّ هذه عادة خاطئة ولها جذور نفسية وذهنيّة وتجب إزالتها. إنّ الطريقة الصحيحة التي مدحها القرآن هي استماع جميع الأقوال بغضّ النظر عن زمانها ومكانها وقائلها ثمّ اتّباع أحسنها استنادًا إلى العقل بصفة معيار المعرفة بمعزل عن موانع المعرفة. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

فريق آخر من الناس هم بعض العلماء والمشاهير الذين بلغهم خبر الكتاب، لكن بما أنّهم يحسبون أنفسهم عالمين بكلّ شيء وأبرياء من كلّ عيب ونقص وأغنياء من السؤال والتعلّم، لا يقرؤون الكتاب أو يقرؤونه ولكن لا يسمح لهم تكبّرهم بأن يخضعوا أمام حقائقه ويتحدّثوا حوله. بالطبع هؤلاء الأشخاص قد أخطؤوا في حساباتهم من جهات شتّى؛ لأنّه من جانب، الإذعان بالخطأ والإقرار بالجهل ليس فحسب لا يحطّ من قدر شخص وإن كان جليل المنزلة، بل العكس يرفعه ومن جانب آخر، العظيم الحقيقيّ هو من كان عند اللّه عظيمًا لا عند الناس والمشهور الحقيقيّ هو من كان في السّماء مشهورًا لا في الأرض والعظماء عند اللّه والمشاهير في السّماء هم الذين يخشون اللّه ويتّقونه ويرون الحقّ ويسمعونه وينطقون به ويتّبعونه ويدعون إليه، لكنّ أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة مع الأسف. بالإضافة إلى ذلك أنّ الحقّ يشقّ طريقه ويصل إلى المنزل المقصود شاء هؤلاء العظماء والمشاهير أم أبوا ويومئذ لا يبقى لهم شيء سوى الخزي! لهذا يحكم العقل بأن يتدبّروا اليوم لغد ويطئوا اليوم تكبّرهم لئلا يتمّ غدًا وطئ جميع ما لديهم! [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

أناس آخرون أيضًا ينظرون في الكتاب بتصوّراتهم المسبّقة. يكذّبون الكتاب ويعتبرونه باطلًا ويتّهمونه بكلّ سوء ولمّا يقرؤوه! هؤلاء الذين قد اتّخذوا موقفهم من قبل وإن قرؤوا الكتاب فلا يقرؤونه للدراية والرشد، بل يقرؤونه لتتبّع العثرة وطلب الذريعة والإستهزاء ولا يبتغون الحكمة والهداية. هؤلاء سيعلمون في يوم تشخص فيه الأبصار أنّهم استعجلوا في الحكم وغرّهم الشيطان وخسروا المعركة... فريق آخر متعصّبون لدرجة إذا رأوا في الكتاب أدنى اختلاف عن الأشياء التي يقبلونها أو الأشخاص الذين يحبّونهم، يفقدون عنان الإختيار ويطلقون اللسان بالسبّ واللعن والإهانة والبهتان. هذا الفريق أيضًا سيعرفون الحقّ في يوم يدخلون النار مع محبوبيهم ومعبوديهم؛ النار التي أوقدها تعصّبهم الأعمى وحميّتهم الجاهليّة. ذلك اليوم يوم الحسرة ويجب اللجوء إلى اللّه من ذلك اليوم... فريق آخر مقلّدون لدرجة لا يشربون حتّى الماء بدون إذن مرجع تقليدهم، ناهيك عن قراءة كتاب مهمّ مثل «العودة إلى الإسلام» والإلتزام به! هؤلاء أيضًا إذا يواجهون هذا الكتاب يغلقون أعينهم ويكتفون بما قال مرجع تقليدهم حوله. هؤلاء أيضًا في يوم عسير لا يغيثهم فيه مرجع تقليدهم سيلقون حسرة عظيمة. [المقالة ٣]