الحديث ٥٧
ذهاب العلم واختفاء العلماء
رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ [ت١٨١هـ] فِي «الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ»[١]، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُهُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا» يَعْنِي إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا ظَاهِرًا، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ عَالِمٍ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يَتَوَارَى مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، فَلَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ لِيَنْتَفِعُوا بِعِلْمِهِ، يَقُولُونَ: هَلَكَ، أَوْ فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ؛ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَطَاءِ الْيَحْبُورِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: «كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا عَطَاءٍ إِذَا فَرَّتْ عُلَمَاؤُكُمْ، حَتَّى يَكُونُوا فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ مَعَ الْوُحُوشِ؟» قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَلِمَ يَفْعَلُونَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟! قَالَ: «يَخَافُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ»، قُلْتُ: وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟! قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا أَبَا عَطَاءٍ، أَوَ لَمْ يَرِثِ الْيَهُودُ التَّوْرَاةَ، فَضَلُّوا عَنْهَا؟! أَوَ لَمْ يَرِثِ النَّصَارَى الْإِنْجِيلَ، فَضَلُّوا عَنْهُ، وَتَرَكُوهُ؟! وَإِنَّهَا سُنَنٌ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ إِلَّا سَيَكُونُ فِيكُمْ مِثْلُهُ»[٢]، فَإِذَا تَوَارَى الْعَالِمُ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْقَتْلِ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، وَهُمُ الْقَادَةُ وَالْمُفْتُونَ، فَيُضِلُّونَهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ جَاءَ تَأْوِيلُهُ، وَلَا يُذْهِبُ ذَلِكَ إِلَّا طَلَبُ الْعَالِمِ الْمُتَوَارِي وَحِمَايَتُهُ، لِيَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ، فَيَتَعَرَّفَ إِلَى النَّاسِ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ هِشَامٌ، وَيَتِيمُهُ أَبُو الْأَسْوَدِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَعُرْوَةُ غَيْرُ ثِقَةٍ عِنْدِي فِيمَا يَرْوِيهِ فِي عَلِيٍّ؛ فَقَدْ كَانَ يُبْغِضُهُ، بَلْ أَرَى أَنْ لَا يُوثَقَ بِشَيْءٍ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا جَلِيلًا عِنْدَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهَذَا الْحَدِيثِ، بَلْ تَابَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْحَكَمِ، وَخَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
الشاهد ١
رَوَى أَبُو عَوَانَةَ [ت٣١٦هـ] فِي «مُسْتَخْرَجِهِ»[٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا عُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ وَحَدَّثَنَا أُسَيْدُ بْنُ عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَذْهَبُ بِالْعِلْمِ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعَالِمَ بِعِلْمِهِ، فَإِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا».
الشاهد ٢
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يُحَدِّثُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ أَوْهَنَ هَذَا مَا تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ؛ كَمَا زَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّهُ حَدَّثَ عَائِشَةَ بِرِوَايَتِهِ هَذِهِ، فَأَعْظَمَتْهَا، وَأَنْكَرَتْهَا، وَقَالَتْ: «أَحَدَّثَكَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا؟!»، حَتَّى إِذَا كَانَ قَابِلٌ، قَالَتْ لَهُ: «إِنَّ ابْنَ عَمْرٍو قَدْ قَدِمَ، فَالْقَهُ، ثُمَّ فَاتِحْهُ، حَتَّى تَسْأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَكَ فِي الْعِلْمِ»، قَالَ: «فَلَقِيتُهُ، فَسَاءَلْتُهُ، فَذَكَرَهُ لِي نَحْوَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ فِي مَرَّتِهِ الْأُولَى»، قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا أَخْبَرْتُهَا بِذَلِكَ قَالَتْ: «مَا أَحْسَبُهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ، أَرَاهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَنْقُصْ»[٥]، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَا كَانَتْ تَثِقُ بِهِ كُلَّ الْوُثُوقِ، وَلِذَلِكَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَمَا يَرْوِي الْحَدِيثِ: «أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ»[٦]، وَمَا أَحْسَبُهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ، فَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ، وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ:
الشاهد ٣
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ».
الشاهد ٤
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ»[٨]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُطَّلِبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ مِنْكُمْ بَعْدَمَا أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ بِعِلْمِهِمْ، وَيَبْقَى النَّاسُ جُهَّالًا، فَيَسْأَلُونَ، فَيُفْتُونَ، فَيَضِلُّونَ، وَيُضِلُّونَ».
الشاهد ٥
وَرَوَى أَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ [ت١٥٠هـ] فِي «مُسْنَدِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْفَعُ الْعِلْمَ بِقَبْضٍ يَقْبِضُهُ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى النَّاسُ حَيَارَى فِي الْأَرْضِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا».
الشاهد ٦
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ»[١٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ طَاهِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الرَّبِيعِ النَّوْفَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ رِشْدِينَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَقْبِضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعُلَمَاءَ قَبْضًا، وَيَقْبِضُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ، فَيَنْشَأُ أَحْدَاثٌ يَنْزُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ نَزْوَ الْعِيرِ عَلَى الْعِيرِ، وَيَكُونُ الشَّيْخُ فِيهِمْ مُسْتَضْعَفًا».
الشاهد ٧
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا [ت٢٨١هـ] فِي «الْعُقُوبَاتِ»[١١]، قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَوْلَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَوْبَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الْيَزَنِيُّ، وَمَهْدِيُّ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَامِرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَامِرٍ الْيَزَنِيِّ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ حِمْيَرٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ يَقُولُ: «لَيَذْهَبَنَّ خِيَارُكُمْ وَعُلَمَاؤُكُمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي مَجَالِسِكُمْ إِلَّا الْأَغْمَارُ الْأَحْدَاثُ الَّذِينَ لَا عُقُولَ لَهُمْ وَلَا رَأْيَ، يَغْلِبُونَكُمْ عَلَى أُمُورِكُمْ».
الشاهد ٨
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ [ت٣٢١هـ] فِي «شَرْحِ مُشْكِلِ الْآثَارِ»[١٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ، عَنْ جُبَيْرٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَذَا أَوَانُ يُرْفَعُ الْعِلْمُ»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يُرْفَعُ الْعِلْمُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ، قَدْ قَرَأْنَاهُ، وَعَلَّمْنَاهُ صِبْيَانَنَا وَنِسَاءَنَا؟! فَذَكَرَ ضَلَالَةَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: «ذَهَابُهُ بِذَهَابِ أَوْعِيَتِهِ». قَالَ جُبَيْرٌ: فَلَقِيتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ، فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيثَ عَوْفٍ، فَقَالَ: صَدَقَ عَوْفٌ، وَأَوَّلُ مَا يُرْفَعُ الْخُشُوعُ، حَتَّى لَا تَرَى خَاشِعًا.
الشاهد ٩
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ [ت٢٩٢هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ بِالْعِلْمِ أَنْ يُرْفَعَ»، فَرَدَّدَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي وَأُمِّي، وَكَيْفَ يُرْفَعُ الْعِلْمُ مِنَّا، وَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ قَدْ قَرَأْنَاهُ، وَنُقْرِئُهُ أَبْنَاءَنَا، وَيُقْرِئُهُ أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُمْ؟! فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ، إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ! أَوَ لَيْسَ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ؟! فَمَاذَا أَغْنَى عَنْهُمْ؟! إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ يَذْهَبُ بِالْعِلْمِ رَفْعًا يَرْفَعُهُ، وَلَكِنْ يَذْهَبُ بِحَمَلَتِهِ»، أَحْسَبُهُ قَالَ: «وَلَا يَذْهَبُ عَالِمٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا كَانَ ثَغْرَةً فِي الْإِسْلَامِ لَا تُسَدُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
الشاهد ١٠
وَرَوَى الدَّارَمِيُّ [ت٢٥٥هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١٤]، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ خَالِدٍ، أَنْبَأَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «خُذُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ»، قَالُوا: وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ؟! فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: «ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ، أَوَ لَمْ تَكُنِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمْ شَيْئًا؟! إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ، إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ».
الشاهد ١١
وَرَوَى الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ [ت٣٣٥هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ، وَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ، وَيَظْهَرُ الْفِتَنُ، حَتَّى يَخْتَلِفَ الْإِثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ، لَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا».
الشاهد ١٢
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ [ت٣٨٥هـ] فِي «سُنَنِهِ»[١٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ اللُّجِّيِّ: حَدَّثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ، وَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، فَإِنِّي امْرِؤٌ مَقْبُوضٌ، وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، حَتَّى يَخْتَلِفُ الْإِثْنَانِ فِي فَرِيضَةٍ، فَلَا يَجِدَانِ أَحَدًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا».
الشاهد ١٣
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ [ت٢٣٥هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[١٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «تَكْثُرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ»، قُلْنَا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ، وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ»، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ يُنْزَعُ مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ، وَلَكِنْ يُقْبَضُ الْعُلَمَاءُ».
الشاهد ١٤
وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ [ت٢٣٨هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١٨]، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ»، فَقُلْنَا لَهُ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ»، فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَوْلَهُ: «يُقْبَضُ الْعِلْمُ» يَأْثِرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَيْسَ ذَهَابُ الْعِلْمِ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ، وَلَكِنْ ذَهَابُ الْعِلْمِ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ.
الشاهد ١٥
وَرَوَى مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ [ت١٥٣هـ] فِي «الْجَامِعِ»[١٩]، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَا تَجِدُونَ أَحَدًا يُحَدِّثُكُمُوهُ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَذْهَبَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ».
الشاهد ١٦
وَرَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٢٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَأَبِي، قَالَا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ؛ وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ».
الشاهد ١٧
وَرَوَى ابْنُ قَانِعٍ [ت٣٥١هـ] فِي «مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ»[٢١]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ الْعَبْدِيِّ -كَذَا قَالَ، وَإِنَّمَا هُوَ نَمَرِيٌّ-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَفْشُوَ التِّجَارَةُ».
الشاهد ١٨
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٢٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا زَبَّانُ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ: «لَا تَزَالُ الْأُمَّةُ عَلَى الشَّرِيعَةِ مَا لَمْ يُقْبَضِ الْعِلْمُ مِنْهُمْ».
الشاهد ١٩
وَرَوَى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ [ت٢٣٤هـ] فِي «الْعِلْمِ»[٢٣]، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنِ ابْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، قَالَ: «وَذَاكَ عِنْدَ أَوَانِ ذَهَابِ الْعِلْمِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ، وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَنُقْرِئُهُ أَبْنَاءَنَا، وَيُقْرِئُهُ أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُمْ؟! قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ابْنَ أُمِّ لَبِيدٍ، أَوَ لَيْسَ هَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، لَا يَنْتَفِعُونَ مِنْهَا بِشَيْءٍ؟!»
الشاهد ٢٠
وَرَوَى الثَّعْلَبِيُّ [ت٤٢٧هـ] فِي «تَفْسِيرِهِ»[٢٤]، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو لَبِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ السَّامِيُّ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الْحَدَثَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلَكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ»، قُلْنَا: وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ، وَالْقُرْآنُ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، قَدْ أَثْبَتَهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِنَا، وَأَثْبَتْنَاهُ فِي مَصَاحِفِنَا، نَقْرَأُهُ وَنُقْرِئُهُ أَبْنَاءَنَا؟! فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: «وَهَلْ ضَلَّتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إِلَّا وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ؟! ذَهَابُ الْعِلْمِ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ؛ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ لَكُمْ هَكَذَا -وَأَرَانَا بِيَدِهِ- وَلَكِنْ يَكُونُ الْعَالِمُ فِي الْقَبِيلَةِ، فَيَمُوتُ، فَيَذْهَبُ بِعِلْمِهِ، فَيَتَّخِذُ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، فَيُسْأَلُونَ، فَيَقُولُونَ بِالرَّأْيِ، وَيَتْرُكُونَ الْآثَارَ وَالسُّنَنَ، فَيَضِلُّونَ، وَيُضِلُّونَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ هَلَكَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ»[٢٥]، وَقَالَ لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ: «إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْمًا جَمًّا -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ- لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً، كَذَلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ»[٢٦]، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَقَبْضُهُ ذَهَابُ أَهْلِهِ»[٢٧]، وَقَالَ: «عُلَمَاؤُكُمْ يَذْهَبُونَ، وَيَتَّخِذُ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ»[٢٨]، وَقَالَ: «لَيْسَ عَامٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، لَا أَقُولُ عَامٌ أَمْطَرُ مِنْ عَامٍ، وَلَا عَامٌ أَخْصَبُ مِنْ عَامٍ، وَلَا أَمِيرٌ خَيْرٌ مِنْ أَمِيرٍ، لَكِنْ ذَهَابُ عُلَمَائِكُمْ وَخِيَارِكُمْ، ثُمَّ يَحْدُثُ أَقْوَامٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِآرَائِهِمْ، فَيُهْدَمُ الْإِسْلَامُ، وَيُثْلَمُ»[٢٩]، وَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ كَيْفَ يَنْقُصُ الْإِسْلَامُ؟ كَمَا يَنْقُصُ الثَّوْبُ عَنْ طُولِ اللُّبْسِ، وَكَمَا يَنْقُصُ الدِّرْهَمُ عَنْ طُولِ الْخَبْوِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْقَبِيلَةِ عَالِمَانِ، فَيَمُوتُ أَحَدُهُمَا، فَيَذْهَبُ نِصْفُ عِلْمِهِمْ، وَيَمُوتُ الْآخَرُ، فَيَذْهَبُ عِلْمُهُمْ كُلُّهُ»[٣٠]، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: «مَا لِي أَرَى عُلَمَاءَكُمْ يَذْهَبُونَ، وَجُهَّالَكُمْ لَا يَتَعَلَّمُونَ؟! تَعَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، فَإِنَّ رَفْعَ الْعِلْمِ ذَهَابُ الْعَالِمِ»[٣١]، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَا يَزَالُ عَالِمٌ يَمُوتُ، وَأَثَرٌ لِلْحَقِّ يَدْرُسُ، حَتَّى يَكْثُرَ أَهْلُ الْجَهْلِ، وَيَذْهَبَ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَيَعْمَلُونَ بِالْجَهْلِ، وَيَدِينُونَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَيَضِلُّونَ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ»[٣٢]، وَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا ذَهَابُ الْعِلْمِ؟ أَنْ يَذْهَبَ الْعُلَمَاءُ»[٣٣]، وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾[٣٤]، فَقَالَ: «هُوَ ذَهَابُ عُلَمَائِهَا»[٣٥]، وَلَمَّا دُفِنَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: «هَكَذَا يَذْهَبُ الْعِلْمُ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قَبْرِهِ- يَمُوتُ الرَّجُلُ الَّذِي يَعْلَمُ الشَّيْءَ، فَيَذْهَبُ مَا كَانَ مَعَهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفَ ذَهَابُ الْعِلْمِ، فَهَكَذَا ذَهَابُ الْعِلْمِ»[٣٦]، وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: «إِنَّ أَبِي كَانَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ بَعْدَ مَا يُهْبِطُهُ، وَلَكِنْ يَمُوتُ الْعَالِمُ، فَيَذْهَبُ بِمَا يَعْلَمُ، فَتَلِيهِمُ الْجُفَاةُ، فَيَضِلُّونَ، وَيُضِلُّونَ، وَلَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ»[٣٧].
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى فِي أَنَّ الْعِلْمَ يَأْرِزُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَيْ يَعْتَزِلُ وَيَخْتَفِي، وَهِيَ فِي مَعْنَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي قَدَّمْتُهَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَأْرِزُ، وَلَكِنْ يَأْرِزُ الْعَالِمُ، فَيَأْرِزُ مَا مَعَهُ مِنَ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ حِينَ يَجِدُ النَّاسَ مُتَنَافِسِينَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِ السُّحْتِ وَالرُّكُونِ إِلَى الظَّالِمِينَ، وَلَا يَجِدُ فِيهِمْ أَنْصَارًا لِيُغَيِّرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَيَخَافُ أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يُدْخِلُوهُ فِي مِلَّتِهِمْ، فَيَعْتَزِلُ وَيَخْتَفِي؛ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، قَالُوا: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُصِيبُهُمْ فِيهَا سَبْطَةٌ، وَهِيَ الْفَتْرَةُ، يَأْرِزُ الْعِلْمُ فِيهَا كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا»[٣٨]، وَقَالُوا: «يَأْرِزُ الْعِلْمُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ حَمَلَةٌ يَحْفَظُونَهُ، وَيَرْوُونَهُ كَمَا سَمِعُوهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَيَصْدُقُونَ عَلَيْهِمْ فِيهِ»[٣٩]، وَذَلِكَ تَأْوِيلُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»[٤٠]، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَسْلَمُ لِذِي دِينٍ دِينُهُ إِلَّا رَجُلٌ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ، وَمِنْ شَاهِقٍ إِلَى شَاهِقٍ، وَمِنْ جُحْرٍ إِلَى جُحْرٍ»[٤١]، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ، وَهَا أَنَا ذَا فَارٌّ بِدِينِي عَلَى غُرْبَةٍ وَاسْتِتَارٍ، أَتَنَقَّلُ فِي الْأَرْضِ كَمَا يَتَنَقَّلُ الطَّائِرُ بَيْنَ الْأَغْصَانِ، وَلِي فِي الْمَهْدِيِّ أُسْوَةٌ وَعَزَاءٌ.