الحديث ٦
إنّما شفاء العيّ السؤال
رَوَى أَبُو دَاوُدَ [ت٢٧٥هـ] فِي «سُنَنِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْطَاكِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خُرَيْقٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: «مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ»، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟! فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ»[٢].
ثُمَّ ذَكَرَ التَّيَمُّمَ وَالْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ [ت٨٠٤هـ]: «هَذَا إِسْنَادٌ كُلُّ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ، الْأَنْطَاكِيُّ ثِقَةٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ هُوَ الْحَرَّانِيُّ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ فَاضِلٌ عَالِمٌ، وَلَهُ فَضْلٌ وَرِوَايَةٌ وَفَتْوَى، وَالزُّبَيْرُ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانٍ فِي ثِقَاتِهِ، وَعَطَاءٌ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ، لَا جَرَمَ أَخْرَجَهُ ابْنُ السَّكَنِ فِي سُنَنِهِ الصِّحَاحِ الْمَأْثُورَةِ، وَاحْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ»[٣]. نَعَمْ، زَعَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ [ت٣٨٥هـ] أَنَّ الزُّبَيْرَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عِلَّةً[٤]، وَقَدْ وَرَدَ مُعْظَمُ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ، وَهُوَ طَرِيقُ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَكِنْ نُقِلَ عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ [ت٣١٦هـ] أَنَّهُ قَالَ: «حَدِيثُ الزُّبَيْرِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ»[٥]، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ حَدِيثَ الْأَوْزَاعِيِّ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ، وَلِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ:
الشاهد ١
رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: إِنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُخْبِرُ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلَامٌ، فَأُمِرَ بِالْإِغْتِسَالِ، فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ؟!»
الشاهد ٢
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ [ت٢٧٣هـ] فِي «سُنَنِهِ»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي الْعِشْرِينِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُخْبِرُ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي رَأْسِهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلَامٌ، فَأُمِرَ بِالْإِغْتِسَالِ، فَاغْتَسَلَ، فَكُزَّ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَوَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ؟!»
الشاهد ٣
وَرَوَى أَبُو يَعْلَى [ت٣٠٧هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٨]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا هِقْلٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ، فَاسْتَفْتَى، فَأُفْتِيَ بِالْغُسْلِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَفَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ؟!»
الشاهد ٤
وَرَوَى الْحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ [ت٤٠٥هـ] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ التَّنُوخِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، يُخْبِرُ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلَامٌ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ؟!»
الشاهد ٥
وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ [ت٣١١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١٠]، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَنَّ عَطَاءً حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فِي شِتَاءٍ، فَسَأَلَ، فَأُمِرَ بِالْغُسْلِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا لَهُمْ؟! قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ، ثَلَاثًا، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ الصَّعِيدَ أَوِ التَّيَمُّمَ طَهُورًا».
الشاهد ٦
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ [ت٢١١هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[١١]، عَنِ ابْنِ سَمْعَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ وَبِهِ جِرَاحٌ، فَاحْتَلَمَ، فَاسْتَفْتَى، فَأَمَرُوهُ أَنْ يَغْتَسِلَ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا لَكُمْ؟! قَتَلْتُمُوهُ، قَتَلَكُمُ اللَّهُ».
الشاهد ٧
وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ [ت٣٦٥هـ] فِي «الْكَامِلِ»[١٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْكُوفِيُّ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أَجْنَبَ رَجُلٌ مَرِيضٌ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَغَسَّلَهُ أَصْحَابُهُ، فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا لَهُمْ؟! قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ، إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ التَّيَمُّمُ».
الشاهد ٨
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[١٣]، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ وَابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْغِفَارِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ عَلَى جُرْحٍ كَانَ بِهِ، فَأُمِرَ بِالْغُسْلِ، فَاغْتَسَلَ، فَكُزَّ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ، إِنَّمَا كَانَ دَوَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ».
الشاهد ٩
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ [ت٢١١هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[١٤]، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أُنَيْسٍ -يَعْنِي زَيْدَ بْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ الْجَزَرِيَّ-، قَالَ: كَانَ بِرَجُلٍ جُدَرِيٌّ فَأَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَأَمَرُوهُ، فَاغْتَسَلَ فَانْتَثَرَ لَحْمُهُ فَمَاتَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ؟ لَوْ تَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ».
الشاهد ١٠
وَرَوَى الْقُضَاعِيُّ [ت٤٥٤هـ] فِي «مُسْنَدِ الشِّهَابِ»[١٥]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الصَّفَّارُ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْرَابِيِّ وَأَنَا أَسْمَعُ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كَانَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّ الْمُحْتَمَلَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْأَمْثَالِ السَّائِرَةِ بَيْنَ الْعَرَبِ، فَقَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ التَّمَثُّلِ بِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ الْجَرْمِيِّ:
«إِذَا كُنْتَ مِنْ بَلْدَةٍ جَاهِلًا ... وَلِلْعِلْمِ مُلْتَمِسًا فَاسْأَلِ
فَإِنَّ السُّؤَالَ شِفَاءُ الْعَمَى ... كَمَا قِيلَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ»
ذَكَرَهُ الْبُحْتُرِيُّ [ت٢٨٤هـ] فِي «الْحَمَاسَةِ»[١٦]، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ [ت٤٦٣هـ] فِي «جَامِعِ بَيَانِ الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ»، وَذَكَرَ فِي الْمِصْرَعِ الْآخِرِ: «كَمَا قِيلَ فِي الْمَثَلِ الْأَوَّلِ»[١٧]، وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ مَقْرُومٍ الضِّبِّيُّ [تبعد١٦هـ]:
«هَلَّا سَأَلْتَ خَبِيرَ قَوْمٍ عَنْهُمُ ... وَشِفَاءُ عِيِّكَ خَابِرًا أَنْ تَسْأَلِ»
وَكَانَ رَبِيعَةُ هَذَا شَاعِرًا مُخَضْرَمًا أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ، وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ الْأَسْكَرِ، وَهُوَ أَيْضًا شَاعِرٌ مُخَضْرَمٌ شَهِدَ حَرْبَ الْفِجَارِ وَعَاشَ دَهْرًا طَوِيلًا:
«هَلَّا سَأَلْتِ بِنَا إِنْ كُنْتِ جَاهِلَةً ... فَفِي السُّؤَالِ مِنَ الْأَنْبَاءِ شَافِيهَا»[١٨]
وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ [ت٣٧٧هـ] عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ [ت٥هـ]، وَهُوَ شَاعِرٌ جَاهِلِيٌّ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، أَنَّهُ قَالَ:
«وَاسْأَلْ وَلَا بَأْسَ إِنْ كُنْتَ امْرَأً عَمِهًا ... إِنَّ السُّؤَالَ شِفَا مَنْ كَانَ حَيْرَانًا»[١٩]
وَحَكَى ابْنُ هِشَامٍ [ت٢١٣هـ] فِي «التِّيجَانِ» أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِعُبَيْدِ بْنِ شَرِيَّةَ الْجُرْهُمِيِّ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِبَعْضِ أَحْوَالِ الْعَجَمِ: «مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ يَا عُبَيْدُ؟» فَقَالَ عُبَيْدٌ: «أَهَمَّنِي ذَلِكَ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ مَنْ وَقَعَ إِلَيْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَعَاجِمِ، وَفِي السُّؤَالِ شِفَاءٌ مِنَ الْعِيِّ»[٢٠]، وَيُقَالُ أَنَّ عُبَيْدًا هَذَا كَانَ رَجُلًا مُعَمَّرًا عَاشَ أَكْثَرَ مِنْ قَرْنَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.