الحديث ١٢
إنّ الأمّة لا تخلو من كائن على الحقّ حتّى ينزل عيسى بن مريم عليه السلام.
رَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ [ت٢٧٧هـ] فِي «الْمَعْرِفَةِ وَالتَّارِيخِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو يَعْنِي الْأَوْزَاعِيَّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْوِيهِ -يَعْنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، لَا يُبَالُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ».
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ قَتَادَةَ، فَقَالَ: «لَا أَعْلَمُ أُولَئِكَ إِلَّا أَهْلَ الشَّامِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: ضَلَّ قَتَادَةُ فِي تَأْوِيلِهِ ضَلَالًا مُبِينًا، فَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ لَمْ يَكُونُوا عَلَى الْحَقِّ دَائِمًا، وَلَمْ يَكُونُوا ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ دَائِمًا، وَكَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَأَكْثَرُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِمَّنْ خَالَفَهُمْ مُنْذُ بُويِعَ عَلِيٌّ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فَضْلٌ إِنْ كَانُوا لَا يُبَالُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ شَرًّا لَهُمْ، وَإِنِّي لَأَتَعَجَّبُ مِنْ قَوْمٍ مَسَخَ اللَّهُ عُقُولَهُمْ حَتَّى حَسِبُوا أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ أَهْلُ الشَّامِ!
ثُمَّ قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ مُدَلِّسٌ، وَقِيلَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَلَعَلَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؛ لِأَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَلْقَمَةَ رَوَاهُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ[٢]، وَأَبُو سَلَمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوفٍ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ، وَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا نَعْتَدُّ بِحَدِيثِهِ إِلَّا إِذَا تُوبِعَ.
الشاهد ١
رَوَى ابْنُ مَاجَهْ [ت٢٧٣هـ] فِي «سُنَنِهِ»[٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلْقَمَةَ نَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَوَّامَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا».
الشاهد ٢
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ [ت٢٩٢هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَزَالُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي، لَا يَضُرُّهُمْ خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ».
الشاهد ٣
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ»[٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَمَاهِرِ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ التَّنُوخِيُّ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَخِيهِ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَوَّامَةً بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا، تُقَاتِلُ أَعْدَاءَ اللَّهِ، كُلَّمَا ذَهَبَتْ حَرْبٌ نَشَبَتْ حَرْبُ قَوْمٍ آخَرِينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ».
الشاهد ٤
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ [ت٣٤٦هـ] فِي «بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ»[٦]، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَبْتَغُونَ مَرْضَاتِ اللَّهِ، مَنْصُورُونَ أَيْنَمَا تَوَجَّهُوا، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَجِيءَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ».
الشاهد ٥
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الرِّبْعِيُّ [ت٤٤٤هـ] فِي «فَضَائِلِ الشَّامِ وَدِمَشْقَ»[٧]، قَالَ: أَخْبَرَنَا تَمَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ الْوَزَّانُ الْمُقْعَدُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ الْبَكْرِيُّ، عَنْ سَيَّارٍ الْكُوفِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ عُبَيْدَةَ الْحِمْصِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ تَبْرَحَ هَذِهِ الْأُمَّةُ مَنْصُورِينَ أَيْنَمَا تَوَجَّهُوا، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، أَكْثَرُهُمْ أَهْلُ الشَّامِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ [ت٢٢٧هـ] فِي «سُنَنِهِ»[٨]، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَهْلِ الشَّامِ.
الشاهد ٦
وَرَوَى عَبْدُ الْجَبَّارِ الْخُولَانِيُّ [ت٣٧٠هـ] فِي «تَارِيخِ دَارِيَا»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ بِبَيْتِ لِهْيَا، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْمُغِيرَةِ عَمْرُو بْنُ شَرَاحِيلَ الْعَنْسِيُّ، قَالَ: أَتَيْنَا بَيْرُوتَ أَنَا وَعُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ الْعَنْسِيُّ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ يَتَعَايَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا عَلَيْهِ قَمِيصٌ كَرَابِيسُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَقَلَنْسُوَةٌ صَغِيرَةٌ، وَثِيَابٌ رَثَّةٌ، يُقَالُ لَهُ: حَيَّانُ بْنُ وَبَرَةَ الْمُرِّيُّ، فَقُلْتُ لِعُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ: أَمِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هُوَ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنَّهُ صَاحِبٌ لِأَبِي بَكْرٍ»، قَالَ عَمْرُو بْنُ شَرَاحِيلَ: فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَزَالُ بِدِمَشْقَ عِصَابَةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ».
الشاهد ٧
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الرِّبْعِيُّ [ت٤٤٤هـ] فِي «فَضَائِلِ الشَّامِ وَدِمَشْقَ»[١٠]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ فَاتِكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُزَاحِمِيُّ بِصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ بِصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدُوسٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَسِيمٍ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ بُزَيْعٍ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهَا، وَعَلَى أَبْوَابِ أَنْطَاكِيَةَ وَمَا حَوْلَهَا، وَعَلَى أَبْوَابِ دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهَا، وَعَلَى أَبْوَابِ الطَّالَقَانِ وَمَا حَوْلَهَا، ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يُبَالُونَ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ نَصَرَهُمْ، حَتَّى يُخْرِجَ اللَّهُ كَنْزَهُ مِنَ الطَّالَقَانِ، فَيُحْيِي بِهِ دِينَهُ كَمَا أُمِيتَ مِنْ قَبْلُ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا تَأْوِيلٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَقَدْ أَدْخَلُوهُ فِي الْحَدِيثِ تَقْوِيَةً لِأَهْلِ الثُّغُورِ، وَمُرَادُهُمْ بِكَنْزِ اللَّهِ الَّذِي يُخْرِجُهُ اللَّهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيُحْيِي بِهِ دِينَهُ كَمَا أُمِيتَ مِنْ قَبْلُ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ مَعَ رَايَاتٍ سُودٍ فَيُوَطِّئُ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ، وَالطَّالَقَانُ مَدِينَةٌ قَدِيمَةٌ فِي خُرَاسَانَ، فَتَحَهَا الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَخَرَجَ مِنْهَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ آمِلِينَ أَنْ يَكُونُوا ذَلِكَ الْكَنْزَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْحَدِيثِ فِي الْقُرُونِ الْأُولَى، وَأَصْلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَعْثَمَ [تنحو٣١٤هـ] فِي كِتَابِ «الْفُتُوحِ» عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ وَصَفَ لِعُمَرَ بِلَادَ خُرَاسَانَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي فَتْحِهَا، فَوَصَفَ لَهُ مَرْوَ وَخَوارَزْمَ وَبُخَارَا وَسَمَرْقَنْدَ وَالشَّاشَ وَفَرْغَانَةَ وَأَسْفِيجَابَ، ثُمَّ قَالَ: «وَيْحًا لِلطَّالَقَانِ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا كُنُوزًا لَيْسَتْ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، وَلَكِنْ بِهَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ عَرَفُوا اللَّهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَهُمْ أَنْصَارُ الْمَهْدِيِّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ»، فَرَغِبَ عُمَرُ فِي فَتْحِهَا[١١]، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشاهد ٨
وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ [ت٢٨٧هـ] فِي «الْآحَادِ وَالْمَثَانِي»[١٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلْقَمَةَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، قَالَا: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَابْنَ السِّمْطِ كَانَا يَقُولَانِ: لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُونَ فِي الْأَرْضِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَوَّامَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، تُقَاتِلُ أَعْدَاءَهَا، كُلَّمَا ذَهَبَ حَرْبُ قَوْمٍ تَسْتَحْرِبُ قَوْمَ أُخْرَى، يَرْفَعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَ قَوْمٍ لِيَرْزُقَهُمْ مِنْهُ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ كَأَنَّهَا قِطَعُ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، بَلْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، وَابْنُ السِّمْطِ هُوَ شُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ الْكِنْدِيُّ مِنْ طُغَاةِ أَهْلِ الشَّامِ، شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَلَهُ بِهَا أَثَرٌ عَظِيمٌ[١٣]، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ: «لَهُ صُحْبَةٌ»[١٤]، وَلَكِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي ذَلِكَ، وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، وَرِوَايَتُهُ هَذِهِ مُرْسَلَةٌ، وَلَعَلَّهُ رَوَاهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعَنْ يَمِينِهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعَنْ يَسَارِهِ ذُو الْكَلَاعِ، وَحَوْلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَأَخُوهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ»[١٥].