الخميس ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ٢٥ أبريل/ نيسان ٢٠٢٤ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الأسئلة والأجوبة: ما حكم التأمين في الإسلام؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٦. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: إنّي قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني، فوجدته أقرب إلى الحقّ بالنسبة لما يذهب إليه الشيعة، ولكنّ المنصور أيضًا مشرك وكافر مثلهم؛ لأنّه قد فسّر آيات القرآن برأيه؛ لأنّك إذا قرأت ما قبل كثير من الآيات التي استدلّ بها على رأيه أو ما بعدها علمت أنّها لا علاقة لها بموضوع البحث؛ منها آية التطهير، فإنّ اللّه قد خاطب فيها نساء النبيّ، ولكنّ المنصور جعلها مقصورة على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأثبت بها إمامتهم من عند اللّه! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «عمليّة طوفان الأقصى؛ ملحمة فاخرة كما يقال أم إقدام غير معقول؟!» بقلم «حسن ميرزايي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الأقوال: قولان من جنابه في بيان وجوب العقيقة عن المولود. اضغط هنا لقراءتهما. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
إقامة كلّ الإسلام

من الضروريّ إقامة كلّه كاملة وبعيدة عن التبعيض والإختيار؛ لأنّ الإسلام هو مجموعة مترابطة ومتشابكة مثل نظام دقيق وسلسلة متّصلة الحلقات، قد تمّ تشريع كلّ جزء منها اعتبارًا لأجزائها الأخرى، بحيث أنّه لولا الأجزاء الأخرى لما كان قابلًا للتشريع، وربما كان تشريعه ناقضًا للغرض؛ كحبّات المسبحة، التي كلّ منها مصنوعة على أنّها جزء من الكلّ، وليس لها قيمة بمفردها، ولا تنفع إلّا في ضمن الكلّ، ولذلك يعتمد وجود أجزائها على وجود كلّها، وبزوال كلّها تزول أجزاؤها أيضًا. هكذا قد تمّ تشريع أجزاء الإسلام بالنّظر إلى كلّه، وهي غير نافعة إلّا في حالة إقامة كلّه، بل قد تكون إقامة بعضها بمفردها من دون إقامة كلّه ضارّة؛ كأدوية وصفها الطبيب بالنّظر إلى مجموعها معًا، ومن الخطير تناول بعضها بشكل منفصل عن بعضها الآخر. [العودة إلى الإسلام، ص١٠٨]

إقامة كلّ الإسلام

إنّ الإلتزام بالإسلام النّاقص لا يقلّ خطورة من عدم الإلتزام بالإسلام، إن لم يكن أكثر خطورة منه؛ كما أنّ المسلمين لديهم مشاكل أكبر من غيرهم في نواحٍ عديدة، وهذا يرجع إلى التزامهم بالإسلام النّاقص. طبعًا هذا لا يعني ضرورة نبذ الإسلام، بل على العكس من ذلك يعني ضرورة إقامته بشكل كامل؛ لأنّ اللّه بمقتضى كماله قد أكمله وأخبر عن كماله، وإن كان قد ظهر فيه نقص تسبّب في عدم تكامل المسلمين، فذلك لم يكن من عند اللّه، ولكن كان من عند أنفسهم؛ لأنّهم قد أخذوا أجزاء من الإسلام وتركوا أجزاء منه ولم يقيموا كلّه بالكامل. [العودة إلى الإسلام، ص١٠٩]

إقامة كلّ الإسلام

إنّ الإسلام يؤدّي إلى تحقّق السّعادة والخلاص من المشاكل إذا أقيم كلّه كحكم واحد؛ نظرًا لأنّ الإسلام هو في الحقيقة حكم واحد، والأجزاء الموجودة فيه تشبه أجزاء موجودة في جهاز تشكّل على تعدّدها جهازًا واحدًا، وعدم عمل كلّ منها يؤثّر على عمل سائر الأجزاء ويمنع الجهاز كلّه من العمل. [العودة إلى الإسلام، ص١٠٩]

إمكان إقامة كلّ الإسلام

نظرًا لضرورة العمل بكلّ الإسلام وتوقّف ذلك على العلم بكلّه وانفراد اللّه بهذا العلم ذاتيًّا، لا بدّ أن يجعل اللّه هذا العلم ممكنًا للمسلمين بطريقة ما، لكي لا تكون لهم حجّة عليه في تركهم العمل بكلّ الإسلام وتبعًا لذلك وقوعهم في الشقاء والمشاكل. من الواضح أنّ هذا التعليم أمر حتميّ لا مردّ له، وهو ممكن بطريقتين: إمّا أن يعلّم اللّه الإسلام كلّه لجميع المسلمين بشكل مباشر، أو يختار لذلك بعضهم ليتلقّى الآخرون العلم بكلّ الإسلام منهم بشكل غير مباشر، ولكن بما أنّه من المسلّم به أنّ اللّه لم يعلّم الإسلام كلّه لجميع المسلمين بشكل مباشر، يتبيّن أنّه قد علّمه لبعضهم، وبالتّالي يجب على الآخرين معرفتهم والتعلّم منهم، وبما أنّ العلم بكلّ الإسلام عند اللّه وحده، فهم لا محالة إمّا أنبياء تلقّوا العلم بكلّ الإسلام من اللّه مباشرة، أو مرتبطون بالأنبياء تلقّوا العلم بكلّ الإسلام من اللّه بواسطة الأنبياء؛ كما أنّهم باعتبار نيابتهم عن اللّه في تعليم الإسلام كلّه، يُعتبرون خلفاء اللّه بين المسلمين. من هنا يعلم أنّ اللّه قد جعل في الأرض خليفة؛ كما أخبر عن ذلك كسنّة له فقال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً. [العودة إلى الإسلام، ص١١٠ و١١١]

إمكان إقامة كلّ الإسلام

بالجملة إنّ إقامة كلّ الإسلام ممكنة بقدر ما هي ضروريّة؛ إلّا أنّها تتوقّف على العلم بكلّه، والعلم بكلّه ممكن لشارعه وحده، ويؤخذ عنه لا محالة، وهو إمّا قد أعطاه لجميع أهل الإسلام، ولم يفعل، أو أعطاه لبعضهم ليأخذ عنهم الآخرون، ولا شكّ أنّه قد فعل هذا؛ لأنّه لم يفعل الآخر، ولذلك فمعرفة هؤلاء ضروريّة للعلم بكلّ الإسلام، ولهذا السّبب فهي ممكنة؛ بمعنى أنّ الوسائل اللازمة لمعرفتهم موجودة من عند اللّه ويمكن تتبّعها لا محالة؛ كما أنّ الطرق اللازمة للوصول إليهم مجعولة من قبل اللّه ويمكن اتّباعها. [العودة إلى الإسلام، ص١١١]

جزء من رسالة جنابه يذكّر فيها بيوم القيامة ويحذّر من عاقبة الحرص على الدّنيا.

اعْلَمُوا أَنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ وَأُطْلِقَتْ صَفَّارَتُهَا! عَمَّا قَرِيبٍ تَنْظُرُونَ إِلَى الْفَوْقِ فَلَا تَرَوْنَ السَّمَاءَ، وَتَنْظُرُونَ إِلَى التَّحْتِ فَلَا تَعْرِفُونَ الْأَرْضَ؛ حِينَ تَضْطَرِبُونَ اضْطِرَابَ خَشَبَةٍ فِي الْمَوْجِ، وَتَتَمَايَلُونَ تَمَايُلَ رِيشَةٍ فِي الرِّيحِ، وَلَا تَدْرُونَ أَلَيْلٌ أَمْ نَهَارٌ، وَرُقُودٌ أَمْ أَيْقَاظٌ، وَأَمْوَاتٌ أَمْ أَحْيَاءٌ؛ حِينَ تُسْقِطُ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ حَمْلَهُنَّ، وَتَدَعُ الْمُرْضِعَاتُ مَا يُرْضِعْنَ، وَيُبَيِّضُ الْأَطْفَالُ الصِّغَارُ شَعْرًا، وَتُمْلَأُ قُلُوبُ الشُّجْعَانِ رُعْبًا، وَيَرْجِعُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَى أَصْلِهِ، وَلَا يُبَالِي أَحَدٌ إِلَّا بِنَفْسِهِ؛ حِينَئِذٍ تُنَبَّؤُونَ بِمَا عَمِلْتُمْ وَتُجْزَوْنَ بِهِ كَامِلًا؛ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِمَنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ وَنَصَرْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ فَسَيَكُونُ لَكُمُ الْأَمْنُ؛ فَقَدْ عَمِلْتُمْ خَيْرَ الْعَمَلِ، وَإِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِمَنِ اخْتَارَهُ الْآخَرُونَ وَنَصَرْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ فَسَيَكُونُ لَكُمُ الْوَيْلُ؛ فَقَدْ عَمِلْتُمْ شَرَّ الْعَمَلِ؛ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ الظَّالِمِينَ أَنْ سَيَكُونُ لَهُمْ يَوْمٌ عَسِيرٌ، وَسَيُلْقَوْنَ فِي وَادٍ مُمْتَلِئٍ نَارًا وَدُخَانًا؛ الْوَادِ الَّذِي عُمْقُهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَفِيهِ الْمَاءُ الْحَمِيمُ وَالْحَجَرُ الْمُلْتَهِبُ. [الرسالة العشرون]

جزء من رسالة جنابه يصف فيها أحوال النّاس، ويحذّرهم من عاقبة أمرهم.

قَدْ نَسِيتُمُ الْآخِرَةَ، وَغَرِقْتُمْ فِي الْهَائِجِ مِنْ بَحْرِ الدُّنْيَا. قَدْ أَلْهَاكُمْ هُمُومُ الْمَعَاشِ، وَمَسَخَكُمْ سِحْرُ الْعَصْرِ الْجَدِيدِ. لَمْ تَعُودُوا تَهْتَمُّونَ بِشَيْءٍ غَيْرِ بُطُونِكُمْ، وَلَا تَحْزَنُونَ عَلَى دِينِكُمْ؛ الدِّينِ الَّذِي لَا تَعْلَمُونَ عَقَائِدَهُ، وَلَا تَفْقَهُونَ أَحْكَامَهُ. تُجَالِسُونَ الْجَهْلَ، وَتُجَاوِرُونَ الْغَفْلَةَ. تُقَلِّدُونَ شُيُوخَكُمْ، وَلَا تَسْتَخْدِمُونَ عُقُولَكُمْ. كُلَّ يَوْمٍ تَطَؤُونَ عَقِبَ رَجُلٍ، وَتَتَّخِذُونَ لِأَنْفُسِكُمْ لُعْبَةً. مُسْلِمُونَ بِلَا إِسْلَامٍ، وَمُؤْمِنُونَ بِلَا إِيمَانٍ! لَمْ تَعُودُوا تَشْتَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَا تَخَافُونَ النَّارَ. قَدْ طَالَتْ آمَالُكُمْ، وَقَصُرَتْ أَعْمَارُكُمْ. قَدْ وَهَنَ اعْتِقَادُكُمْ، وَتَضَاءَلَتْ تَقْوَاكُمْ. قَدْ رَذُلَتْ أَخْلَاقُكُمْ، وَكَثُرَتْ آثَامُكُمْ. قَدْ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ، وَضَاقَتْ صُدُورُكُمْ. [الرسالة الثانية والعشرون]

جزء من رسالة جنابه يصف فيها أحوال النّاس، ويحذّرهم من عاقبة أمرهم.

قَدْ ذَهَبَ الصِّدْقُ مِنْ حَيَاتِكُمْ، وَحَلَّ مَحَلَّهُ الْكِذْبُ. قَدْ قَامَتْ عَنْكُمُ الْمَوَدَّةُ، وَقَعَدَ مَقْعَدَهَا الْبَغْضَاءُ. لَا يُوَقِّرُ صَغِيرُكُمْ كَبِيرَكُمْ، وَلَا يَرْحَمُ كَبِيرُكُمْ صَغِيرَكُمْ. قَدْ فَارَقَتْ حَيَاتَكُمُ الْبَرَكَةُ، وَضَحَلَتْ أَنْهَارُكُمُ الْجَارِيَةُ. قَدْ أَمْسَكَتِ السَّمَاءُ عَنْكُمْ، وَخَسَّتْ مَحَاصِيلُ أَرْضِكُمْ. قَدْ تَعَوَّدْتُمْ عَلَى حَالَتِكُمُ الرَّهِيبَةِ، وَلَا تَشْعُرُونَ بِالْمَرَضِ الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَى أَنْفُسِكُمْ. فَالْآنَ انْتَبِهُوا بِصَوْتِي حِينَمَا أَصِيحُ عَلَيْكُمْ، وَعُودُوا إِلَى رُشْدِكُمْ حِينَمَا أَمُسُّكُمْ بِعَصَايَ؛ وَإِلَّا فَإِنَّ هَذِهِ الْغَفْلَةَ وَالْجَهَالَةَ سَتَجْتَاحُ حَيَاتَكُمْ، وَتُحَوِّلُ يَوْمَكُمْ إِلَى لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، كَحَرِيقٍ مُشْتَعِلٍ تُزَمْجِرُ أَلْسِنَتُهُ، وَيَحْبِسُ دُخَانُهُ أَنْفَاسَكُمْ. [الرسالة الثانية والعشرون]

جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه، يعظه فيها ويخوّفه من اللّه.

لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا؛ فَلَا ظُلْمَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. هُوَ الَّذِي يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَيُدِيرُ دَوْرَةَ الْحَيَاةِ. هُوَ الشَّارِعُ وَالْحَاكِمُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُهُ. لَا تَسْأَلْ حَاجَتَكَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا تَحْلِفْ إِلَّا بِاسْمِهِ. لَا تَسْتَغِثْ بِغَائِبٍ، وَلَا تَعْقِدْ عَلَى قَبْرٍ. لَا تَتَوَسَّلْ بِشَجَرٍ، وَلَا تَسْتَعِذْ بِحَجَرٍ. لَا تُطِعْ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ، أَعْنِي مَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ. إِنَّ اللَّهَ يَكْفِيكَ، وَلَسْتَ بِحَاجَةٍ إِلَى غَيْرِهِ. احْذَرْهُ، وَاحْتَطْ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِهْلَاكِكَ. اسْلُكْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُلُوكًا حَسَنًا، لِكَيْ لَا يَغْضِبَ عَلَيْكَ، فَيَضْرِبَكَ، فَتُلْقَى فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ. ابْتَغِ رِضْوَانَهُ، لِيَلْطُفَ بِكَ، وَيُوصِلَكَ إِلَى مَا تُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا اتَّخَذَ أَحَدًا وَلِيًّا آتَاهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَإِذَا اتَّخَذَهُ عَدُوًّا فَلَا تَدْرِي مَا يَفْعَلُ بِهِ! [الرسالة الثالثة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه، يعظه فيها ويخوّفه من اللّه.

اتَّقِ اللَّهَ لِتَزْكُوَ؛ فَإِنَّ التَّقْوَى مِنْهُ كَمَاءٍ سَاخِنٍ، يُزِيلُ الْوَسَخَ، وَيُذْهِبُ الْبُقْعَةَ. اعْتَقِدْهُ حَاضِرًا فِي الْخَلْوَةِ وَنَاظِرًا فِي الظُّلْمَةِ، لِكَيْ لَا تُغِرَّكَ الظُّلْمَةُ، وَلَا تُجَرِّئَكَ الْخَلْوَةُ. إِنَّهُ الْقَاضِي، وَالشَّاهِدُ، وَالْمُدَّعِي، وَآخِذُ الْمُجْرِمِ، وَمُعَاقِبُهُ. فَهَلِ الْمُجْرِمُ لَا يُبَالِي بِالشَّاهِدِ، وَلَا يَخَافُ مِنَ الْقَاضِي؟! إِنَّهُ يَعْلَمُ مَكْرَكَ حِينَ تَمْكُرُ، وَيَسْمَعُ نَجْوَاكَ حِينَ تُنَاجِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. أَفَلَا تَهْتَمُّ بِعِرْضِكَ، وَلَا تَسْتَحْيِي مِنَ الْحَاضِرِ وَالنَّاظِرِ؟! [الرسالة الثالثة والعشرون]

في بيان ما يُعرف به الدّجّالون والأدعياء الكذبة

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ يَقُولُ: يُعْرَفُ الْكَذَّابُ بِسِتِّ خِصَالٍ: يَدَّعِي مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِثْبَاتِهِ، وَيُغَيِّرُ دَعْوَاهُ، وَيُخْبِرُ عَمَّا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْضِ، وَيُحَدِّثُ النَّاسَ بِمَا لَا يَعْرِفُونَ، وَيُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ بَاطِنُهُ، وَيَحْتَجُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. [الفقرة ١ من القول ٥٧]

في بيان ما يُعرف به الدّجّالون والأدعياء الكذبة

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: مَا كَذَبَ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَمَا كَذَبُوا عَلَى الْمَهْدِيِّ، فَمَنْ أَتَاكُمْ يَدْعُوكُمْ إِلَى نَفْسِهِ مُحْتَجًّا عَلَيْكُمْ بِخَبَرِ وَاحِدٍ فَلَا تُصَدِّقُوهُ! قُلْتُ: وَإِنْ وَافَقَهُ ذَلِكَ الْخَبَرُ؟! قَالَ: وَإِنْ وَافَقَهُ ذَلِكَ الْخَبَرُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِخَبَرِ وَاحِدٍ. [الفقرة ٢ من القول ٥٧]

في بيان ما يُعرف به الدّجّالون والأدعياء الكذبة

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَدْعِيَاءَ يَحْتَجُّونَ عَلَى النَّاسِ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ! فَقَالَ: كَذَبُوا لَعَنَهُمُ اللَّهُ، لَيْسَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بَيِّنَةً، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ؟! فَفَرَّقَ بَيْنَ الْبَيِّنَاتِ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، وَجَعَلَهُمَا مِمَّا يَتَعَارَضَانِ، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي آتَاهُمُ الْعِلْمَ! قَالَ: فَهَلْ آتَاهُمْ إِلَّا كَمَا آتَى الَّذِي آتَاهُ آيَاتِهِ ﴿فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ؟! ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُقِرُّوا لَهُمْ بِالْعِلْمِ، إِنَّمَا هُوَ ﴿مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعِلْمِ! أَنَّى لَهُمُ الْعِلْمُ وَقَدْ جَهِلُوا أَكْبَرَ شَيْءٍ؟! إِنَّمَا هُوَ زُخْرُفُ الْقَوْلِ يُوحُونَهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ، ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ؟! [الفقرة ٧ من القول ٥٧]

في فضل إبقاء اللحية وأحكامه

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ: هِيَ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَخِيهِ: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي؟! فَكَانَ لَهُ لِحْيَةٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ، وَقَالَ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، فَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ لَهُ لِحْيَةٌ. [الفقرة ١ من القول ٥٨]

في فضل إبقاء اللحية وأحكامه

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: رَأَى الْمَنْصُورُ رَجُلًا فِي الْمَسْجِدِ قَدْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَتْرُكَ مِنْ لِحْيَتِكَ شَيْئًا تَتَزَيَّنَ بِهِ وَتَتَشَبَّهَ بِالصَّالِحِينَ؟ قَالَ الرَّجُلُ وَهُوَ مُغْضَبٌ: لَا أَجِدُ آيَةً فِي كِتَابِ اللَّهِ تَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَلَا أَتَّبِعُ إِلَّا مَا أُمِرَ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ! فَقَالَ الْمَنْصُورُ: أَنْتَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ قُرْآنِيُّونَ؟ قَالَ الرَّجُلُ: نَعَمْ، فَقَالَ الْمَنْصُورُ: كَذَبُوا وَكَذَبْتَ! أَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ؟! إِنَّهُ قَدْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءَ بِالذَّوَائِبِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلرِّجَالِ أَنْ يَحْلِقُوا وُجُوهَهُمْ، وَلَا يَنْبَغِي لِلنِّسَاءِ أَنْ يَحْلِقْنَ رُؤُوسَهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: كَمْ مِنْ جَاهِلٍ مُتَكَبِّرٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ قُرْآنِيٌّ وَهُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ الْقُرْآنِ! [الفقرة ٢ من القول ٥٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١ه‍] فِي «كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ»، ... عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ، فَقَالَ: كُلُّ إِمَامٍ هَادٍ لِكُلِّ قَوْمٍ فِي زَمَانِهِمْ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى عَامٌّ يَشْمُلُ كُلَّ قَوْمٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْقَوْمُ قَرْنٌ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ.

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ [ت٢٩٠ه‍] فِي زِيَادَاتِهِ عَلَى «الْمُسْنَدِ»، قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِرُ، وَالْهَادِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قِيلَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالرَّجُلِ نَفْسَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَطْلَقَ وَأَرَادَ أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هَادِيًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ. [الباب ١، الدرس ٥١]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا يُقَالُ لِلْإِمَامِ «خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ فِي الْأَرْضِ وَأَنَّهُ يَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ، وَهَذِهِ نِسْبَةٌ صَحِيحَةٌ، كَقَوْلِهِمْ: «رُوحُ اللَّهِ» وَ«بَيْتُ اللَّهِ» وَ«أَرْضُ اللَّهِ»، وَقَدْ وَرَدَ إِطْلَاقُهَا عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَثَبَتَ إِطْلَاقُهَا عَلَى الْمَهْدِيِّ فِي حَدِيثِ «الرَّايَاتِ»، وَلَكِنَّ الْجُهَّالَ مِنَ النَّاسِ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا نِسْبِةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَقَدْ بَلَغَ مِنْ جَهْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَ الرَّايَاتِ إِلَّا جُزْءًا مِنْهُ يَذْكُرُ «خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ»، وَقَدْ بَالَغَ أَجْهَلُهُمْ فِي مَنْعِهَا حَتَّى نَسَبَ قَائِلَهَا إِلَى الْفُجُورِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لَا يُسْتَخْلَفُ إِلَّا مَنْ يَغِيبُ أَوْ يَمُوتُ، وَاللَّهُ لَا يَغِيبُ وَلَا يَمُوتُ، وَبِأَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ»، فَقَالَ: «لَسْتُ بِخَلِيفَةِ اللَّهِ»، وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْخَلِيفَةِ إِلَى اللَّهِ هِيَ نِسْبَةُ تَمْلِيكٍ وَتَعْظِيمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رُوحِي وَ﴿بَيْتِي وَ﴿أَرْضِي، وَمَنْ لَا يَفْقَهُ هَذَا فَهُوَ مِنَ الْعِلْمِ بَعِيدٌ كَبُعْدِ الْمَغْرِبِ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةَ اللَّهِ؛ إِذْ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ جَعَلَهُ النَّاسُ، ... وَلَا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ بِـ«خَلِيفَةِ اللَّهِ»، ... كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا نَادَى عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: «يَا خَلِيفَة اللَّهِ فِي الْأَرْضِ!» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «مَهْ! ... لَمَّا وَلَّيْتُمُونِي أُمُورَكُمْ سَمَّيْتُمُونِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَوْ نَادَيْتَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ أَجَبْتُكَ، وَأَمَّا خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَلَسْتُ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ خُلَفَاءَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ دَاوُدُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَشِبْهُهُ»،... وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِلْمَهْدِيِّ «خَلِيفَةَ اللَّهِ» لِأَنَّهُ خَلِيفَةٌ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ وَأَنَّهُ يَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى مِثَالِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ... [الباب ١، الدرس ٥٠]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩ه‍] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: لَا يَصْلُحُ النَّاسُ إِلَّا بِإِمَامٍ وَلَا تَصْلُحُ الْأَرْضُ إِلَّا بِذَلِكَ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بِهَذَا نَقُولُ وَإِلَيْهِ نَدْعُو، وَقَالَ: لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ يَذْهَبُ سَفَالًا حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ. [الباب ١، الدرس ٦٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩ه‍] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَصَفْوَانِ بْنِ يَحْيَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَيْرَةِ وَعَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ كُلِّهِمْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَعِ الْأَرْضَ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ يَعْلَمُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، فَإِذَا زَادَ الْمُؤْمِنُونَ رَدَّهُمْ وَإِنْ نَقَصُوا أَكْمَلَهُ لَهُمْ، فَقَالَ: خُذُوهُ كَامِلًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَالْتَبَسَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَمْرُهُمْ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَلِكَ نَقُولُ لِلنَّاسِ: خُذُوا الدِّينَ كَامِلًا لَا نُقْصَانَ فِيهِ وَخَالِصًا لَا زِيَادَةَ مَعَهُ؛ فَإِنَّمَا مَثَلُهُ كَمَثَلِ النَّارِ إِنِ ازْدَادَتْ حَرَّقَتِ الطَّعَامَ وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ تَطْبَخْهُ. [الباب ١، الدرس ٧٣]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ بِإِمَامٍ مَيِّتٍ؛ لِأَنَّ عِبَادَتَهُ فِيهَا إِقَامَةُ حُدُودِهِ وَتَنْفِيذُ أَحْكَامِهِ وَإِدَارَةُ أَمْوَالِهِ وَجِهَادُ أَعْدَائِهِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى إِمَامٍ حَيٍّ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ عَلَى سُنَّتِهِ فِي النَّسْخِ وَالْإِنْسَاءِ؛ كَمَا قَالَ: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَإِلَى قَوْلِي هَذَا أَشَارَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ- إِذْ قَالَ لِعِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَمَا إِنَّكَ يَا عِيسَى لَا تَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى تَعْرِفَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ، قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا مَعْرِفَةُ النَّاسِخِ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَكُونُ مَعَ الْإِمَامِ مُوَطِّنًا نَفْسَكَ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ فِي طَاعَتِهِ فَيَمْضِي ذَلِكَ الْإِمَامُ وَيَأْتِي إِمَامٌ آخَرُ فَتُوَطِّنُ نَفْسَكَ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ فِي طَاعَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَذَا مَعْرِفَةُ النَّاسِخِ مِنَ الْمَنْسُوخِ وَرُوِيَ أَنَّ الْمُعَلَّى بْنَ خُنَيْسٍ سَأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى عَنِ الْإِمَامِ الْمَاضِي، فَقَالَ: خُذُوا بِهِ حَتَّى يَبْلُغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ، فَإِنْ بَلَغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ فَخُذُوا بِقَوْلِهِ. [الباب ١، الدرس ٧٨]

لا يجوز قتل إنسان إلا بإذن إمام عادل سدًّا لذريعة الهرج، وهو لا يأذن بقتل مسلم إلا إذا كان قاتل النفس التي حرّم اللّه أو مفسدًا في الأرض... نعم، يجب على كلّ مسلم دفع الظالم الذي يعتدي على نفسه أو أهله أو ماله بكلّ طريقة ممكنة، وإن قتله مدافعًا فلا إثم عليه إذا لم يكن ليندفع إلا بالقتل، وإن استنصر المسلمين لذلك يجب عليهم النصر، بموجب الولاية بين المؤمنين، ووجوب النهي عن المنكر، وقول اللّه تعالى: ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وأمّا إذا تخاصم حاكمان ظالمان، أو خرج ظالم من الرعيّة على ظالم من الحكّام، فلا يجوز إعانة أحدهما على الآخر، لعدم جواز إعانة الظالم مطلقًا، سواء كان من الحكّام أو من الرعايا، وسواء كان حاكم البلد الذي يسكن فيه المسلم أو من بلد آخر، إلا إذا كان أحد الظالمين مسلمًا والآخر غير مسلم؛ ففي هذه الحالة لا بدّ من إعانة الظالم المسلم على الظالم غير المسلم لئلّا يتسلّط غير المسلم على المسلم؛ نظرًا لقول اللّه تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. [السؤال والجواب ٦٩]

لا يجوز للمسلم أن يقتل نفسه مع عدوّه عمدًا؛ لأنّ اللّه تعالى نهى عن قتل النفس بصيغة مطلقة فقال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، وقال: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وليس في السنّة ما يقيّد ذلك؛ إذ لم يأمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولم يثبت فعله عن أحد من الصحابة، بغضّ النظر عن حقيقة أنّ السنّة لا تستطيع نسخ القرآن ولا تخصيصه، ومن المسلّم به أنّ الغاية لا تبرّر الوسيلة في الإسلام، وهذا يعني أنّه لا يجوز التوصّل إلى ما يحلّ فعله وهو قتل العدوّ بما يحرم فعله وهو قتل النفس؛ لأنّ الحلال لا يدرك بالحرام، وقد نبّه المنصور حفظه اللّه تعالى على أنّ ذلك عمل جاهليّ. [السؤال والجواب ٦٩]

لا خلاف بين المسلمين في عدم وجوب وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة؛ لأنّ أكثر الروايات الواردة في وصف صلاة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خالية من ذكره، ولو كان واجبًا لم تخل من ذكره؛ لأنّه تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولكنّهم اختلفوا في حكمه بعد الإتّفاق على عدم وجوبه؛ فرأى أكثرهم أنّه مستحبّ، لوروده في بعض الروايات، ورأى قوم أنّه غير مستحبّ؛ لأنّ الأوجب المصير إلى الروايات التي ليست فيها هذه الزيادة؛ نظرًا لأنّها أكثر، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة، وإنّما هي من باب الإستعانة. ثمّ اختلفوا هؤلاء فيما بينهم؛ فرأى بعضهم -وهم أكثر المالكيّة- أنّه مكروه؛ لأنّه من الإعتماد، والإعتماد في الصلاة مكروه، إلا في النافلة إذا طال القيام، ورأى بعضهم -وهم أكثر الإماميّة- أنّه حرام يبطل الصلاة؛ لما روي عن أهل البيت من النهي عن ذلك... لكنّه غير صريح في حرمته، فضلًا عن مبطليّته، بل هو أدلّ على الكراهة التي ذهب إليها أكثر المالكيّة وبعض الإماميّة؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّه لا يخلّ بالقيام ولا ينافي الطمأنينة ولا يفسد هيئة الصلاة ولا يعتبر بدعة فاحشة، وعليه فلا يبقى إلا الكراهة، وهي الحقّ عند السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى... وبهذا قال عبد اللّه بن الزبير، وسعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وعطاء، وابن جريج، وليث بن سعد، ومحمّد بن سيرين، وغيرهم. [السؤال والجواب ٦٥]

وأمّا مسجد جمكران في قم فمن المساجد المستحدثة، وليس للصلاة فيه فضل خاصّ، بل نسب بنائه إلى المهديّ استنادًا إلى حكاية غير معتبرة عن رجل مجهول يقال له حسن بن مثلة الجمكراني، بمنزلة الكذب عليه، والكذب عليه يعتبر إثمًا كبيرًا، وقيل أنّ الحكاية كانت مذكورة في كتاب «تاريخ قم» للحسن بن محمّد بن الحسن القمي نقلًا عن كتاب «مؤنس الحزين في معرفة الحقّ واليقين» لمحمّد بن علي بن بابويه، قاله المجلسيّ والنوريّ، ولم يُذكر لمحمّد بن علي بن بابويه كتاب بهذا الإسم، ولم يبق كتاب تاريخ قم للحسن بن محمّد، والموجود ترجمته بالفارسيّة للحسن بن علي بن الحسن بن عبد الملك القمي المتوفّى سنة ٨٠٥، ولا توجد فيها تلك الحكاية، ولا يوجد فيها ذكر من مسجد بجمكران، إلا قوله: «يقال أنّ أوّل مسجد بني في هذه المنطقة قبل ورود العرب عليها مسجد قرية جمكران، وقد بناه رجل من المسلمين اسمه خطّاب بن الأسديّ وكان يصلّي فيه وحده»، ومن الواضح أنّ هذا لا صلة له بتلك الحكاية، وممّا يدلّ على كذب النسبة إلى محمّد بن علي بن بابويه ما روي عن حسن بن مثلة من قوله في صدر الحكاية: «كنت ليلة الثلاثا السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ٣٩٣ نائمًا في بيتي، فلمّا مضى نصف من الليل فإذا بجماعة من النّاس على باب بيتي، فأيقظوني وقالوا: قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان، فإنّه يدعوك»؛ لأنّ محمّد بن علي بن بابويه مات سنة ٣٨١، فليس من الممكن ذكره لهذه الحكاية! [السؤال والجواب ٥٩]

لا يجوز صلاة الجمعة خلف حكّام الجور وأعوانهم في غير تقيّة؛ لأنّها ركون إلى الذين ظلموا، وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ، وهذا هو السّبب في عدم جواز صلاة الجمعة قبل ظهور المهديّ في بلاد يتولّى إقامتها فيها الحكومة، مثل إيران والسعوديّة؛ لأنّ الأئمّة فيها موظّفو الحكومة، وبالتالي فإنّهم من ناحية ظالمون ولا يجوز الإقتداء بهم، ومن ناحية أخرى يدعون في خطبهم إلى طاعة حكّام الجور وإعانتهم، وهذا لغو وزور يحرم شهوده واستماعه، بل هو مثال على الفاحشة، وقد قال اللّه تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ. [السؤال والجواب ٥٤]

استراتيجيّة المنصور الهاشمي الخراساني لظهور المهديّ وحكومته هي استراتيجيّة شاملة ذات أبعاد أمنيّة وثقافيّة وسياسيّة؛ لأنّه من أجل ظهور المهديّ بمعنى إمكانيّة الوصول إليه، يرى من الضروريّ وجود عدد كافٍ من المسلمين الأقوياء والأمناء لحمايته من الأخطار المحتملة؛ نظرًا لأنّه يرى أنّ السبب الوحيد لعدم ظهوره بمعنى عدم إمكانيّة الوصول إليه، هو خوفه من القتل أو الأسر، ويعتقد أنّه إذا تمّ ضمان سلامته من قبل هذا العدد من المسلمين فإنّ ظهوره بمعنى إمكانيّة الوصول إليه أمر محتوم. بناء على هذا، فإنّه بمقتضى وجوب التمهيد لظهور المهديّ عقلًا وشرعًا، يسعى لجمع عدد كافٍ من المسلمين الأقوياء والأمناء لحمايته من الأخطار المحتملة ويطلب منهم جميعًا المساعدة لهذا الغرض؛ لأنّ في رأي هذا العالم الصدّيق، سيكون ظهور المهديّ أمرًا حتميًّا إذا كان أمنه مضمونًا، حتّى لو لم تكن حكومته ممكنة؛ إذ ليس هناك تلازم بين ظهوره وحكومته، وظهوره بدون حكومته مفيد أيضًا، بل ظهوره مقدّمة لحكومته؛ لأنّ حكومة من ليس بظاهر صعبة، وعليه فإنّ التمهيد لظهوره مقدّمة للتمهيد لحكومته. [الشبهة والرّدّ ١٦]

يرى المنصور الهاشمي الخراساني أنّ شرط حكومة المهديّ هو اجتماع عدد كافٍ من الناس على إعانته وطاعته، ويعتقد أنّ قيامه بالحكومة سيكون أمرًا محتومًا إذا تعهّد هذا العدد منهم بهذه الإعانة والطاعة؛ لأنّ الحكومة ليست حقًّا للمهديّ فحسب، بل تكليف له أيضًا، بحيث أنّه لو لم يقم بها بعد توفّر الشروط لكان من الحقّ أن يُضرب عنقه؛ كما جاء في الرواية عن عليّ عليه السلام: «وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَضُرِبَتْ عُنُقُهُ»؛ نظرًا لأنّه في هذه الحالة سيكون هو المسؤول الوحيد عن جميع المفاسد والمظالم الجارية على الأرض. لذلك، فإنّ المنصور الهاشمي الخراساني، بينما يجمع عددًا كافيًا من المسلمين لحماية المهديّ، يجمع عددًا كافيًا منهم لإعانته وطاعته، ويطلب منهم جميعًا المساعدة لهذا الغرض؛ لأنّ في رأي فريد دهره هذا، ستكون حكومة المهديّ أمرًا حتميًّا إذا كانت إعانته وطاعته مضمونة، وهذا الضمان يسمّى في الإسلام «البيعة». لذلك، فإنّ المنصور الهاشمي الخراساني يأخذ من مسلمي العالم بيعة للمهديّ؛ بمعنى أنّه يأخذ ميثاقهم أنّه مهما جاءهم المهديّ سيعينونه ويطيعونه، ولا يخذلونه ولا يعصونه كما فعلوا مع خلفاء اللّه من قبله، وبالتالي إذا بايعه عدد كافٍ من المسلمين على الإعانة والطاعة للمهديّ سيتحقّق لهم حكومته بإذن اللّه؛ كما إذا بايعه عدد كافٍ من المسلمين على حماية المهديّ سيتحقّق لهم ظهوره بإذن اللّه. هذه خطّة كاملة ودقيقة صادرة من العقل توافق كتاب اللّه وسنّة نبيّه ولذلك، كلّ من استنكف عن قبولها فهو في ضلال بعيد. [الشبهة والرّدّ ١٦]

إنّ المنصور الهاشمي الخراساني، لا يدعو إلى «نفسه»، بل يدعو إلى «المهديّ» بأوضح طريقة ممكنة؛ لأنّ دعوته إلى التضامن من أجل حماية «المهديّ» وإعانته وطاعته، لا تعتبر بأيّ تقرير دعوة منه إلى «نفسه»، وتسميتها بالدّعوة إلى نفسه تشبه تسمية النهار بالليل، وهي مجرّد تحكّم وتعسّف في التسمية. إنّما يدعون إلى أنفسهم الذين يرون لأنفسهم حقًّا في الحكومة، ويفرضون على الناس حمايتهم وإعانتهم وطاعتهم، ولا همّ لهم سوى صيانة حكومتهم، أو عبّاد أنفسهم الذين قد انغمروا في مستنقع الإدّعاءات، ولا حديث لهم إلا «أنا كذا وكذا»، ولا يهتمّون بشيء سوى إثبات مقاماتهم المزعومة؛ الذين يقرنون أنفسهم بخلفاء اللّه ويتسمّون بأسمائهم، في حين أنّهم أهون على اللّه من الخنافس! [الشبهة والرّدّ ١٦]

إنّ «حكومة الفقيه» لا يمكن أن تكون مصداقًا لـ«حكومة اللّه»؛ لأنّ الفقيه ليس هو اللّه ولا خليفته في الأرض، وعليه فإنّ تسمية حكومة الفقيه بحكومة اللّه هي كذب على اللّه وعلى الفقيه! المصداق الوحيد لحكومة اللّه هو حكومة خليفته في الأرض، وإن كان من الصعب تأسيس حكومة خليفته في الأرض، فلم يكن من السهل تأسيس حكومة الفقيه أيضًا؛ لأنّ تأسيس كلّ حكومة يحتاج إلى التمهيد، والتمهيد لكلّ حكومة صعب. فهل هؤلاء يطيقون التمهيد لحكومة الفقيه، ولا يطيقون التمهيد لحكومة خليفة اللّه في الأرض؟! ما هذا إلا السفالة وقصر الفكر والسفه الذي قد نفذ إلى قعر ضمائرهم؟! كلّما يُدعون إلى حكومة أحدهم ليؤسّسوها، يهرعون إليها وهم يستبقون، بل «يتخلّون عن كلّ شيء ويعتصمون ويباشرون الإضراب ويعلنون أنّهم لن يوقفوا إضرابهم واعتصامهم» حتّى ينال صاحبهم الحكومة، ولكن إذا يُدعون إلى حكومة المهديّ ليؤسّسوها يمتنعون ويعتذرون، ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، يقولون على سبيل التعجّب والإنكار: «هل يجب أن يتخلّوا عن كلّ شيء ويعتصموا ويباشروا الإضراب ويعلنوا أنّهم لن يوقفوا إضرابهم واعتصامهم حتّى يظهر المهديّ وينال الحكومة؟!» فويل لهم! على افتراض أن الأمر كذلك، ألا يفعلون ذلك للآخرين؟! فلم يبخلون به عن المهديّ؟! هل المهديّ أهون عليهم من الآخرين؟! في حين أنّه أولى بالحكومة عليهم من الآخرين، وينبع من حكومته عليهم كلّ خير وبركة وعدل وسعادة! [الشبهة والرّدّ ١٦]

الإجتهاد بمعنى طلب العلم بالدّين، ليس شغلًا أو تخصّصًا مثل الطبّ والهندسة يمكن لمن يحبّه الدخول فيه ويمكن لمن لا يحبّه تركه، بل هو واجب دينيّ مثل الصلاة والصوم وسائر الأعمال التي تعتبر فريضة على كلّ مسلم؛ لأنّ الإنسان لم يُخلق ليأكل وينام، بل ليعبد اللّه؛ كما قال عزّ وجلّ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، وعبادة اللّه هي امتثال أمره وإن كان فيه مشقّة، وأحد ما أمر به طلب العلم بدينه وعدم اتّباع الظنّ فيه؛ كما قال: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وقال: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا. لذلك، يجب على كلّ مسلم أن يطلب العلم بعقائد الدّين وأحكامه، ولا يتّبع الظنّ في شيء منها، وهذا ممكن من خلال رجوعه المباشر إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه؛ لأنّ رجوعه غير المباشر، بمعنى تقليده لغير المعصومين، لا يجعله يعلم عقائد الدّين وأحكامه، وإنّما يخلق له ظنًّا؛ باعتبار أنّ توافق فتاوى غير المعصومين مع عقائد الدّين وأحكامه ليس قطعيًّا، بل هو ظنّيّ، وعليه فلا مفرّ من الرّجوع المباشر إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه، وإن كان يكره ذلك؛ لأنّه كم من شيء يكرهه الإنسان وهو ضروريّ له؛ مثل الدواء الذي يكرهه المريض ولا بدّ له من تناوله؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وقال: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا. [الشبهة والرّدّ ١٧]

العصر المقلوب
إلياس الحكيمي

وقت غريب. لا يفهم المرء مزاج أهل اليوم وأخلاقهم. لقد تغيّروا وليس من الواضح في أيّ وادٍ يهيمون وماذا يطلبون. ما هو معيارهم وما هي مفضّلاتهم وآمالهم. لقد تغيّرت وانقلبت سلائقهم وأذواقهم؛ لا يستمتعون بالأشياء الحسنة والمفيدة ويبتعدون عنها، ولكن يظهرون الشوق إلى الأشياء السيّئة والضارّة ويقبلون عليها. يكرهون ما فيه خير لهم ويفرّون منه، ولكن ينجذبون إلى ما فيه شرّ لهم ويلتحقون به. إن جاءهم شيطان مريد مع ألف تلبيس وادّعاء باطل وأراد نهب أموالهم وأنفسهم يتعشّقونه ويتّبعونه، ولكن إن أتاهم عالم ناصح لا يدّعي لنفسه شيئًا مع علم وافر وحكمة ظاهرة وأراد إرشادهم إلى سبيل السعادة، يحقدون عليه ويقفون في وجهه ويحادّونه! حقًّا لقد حان آخر الزمان؛ العصر المقلوب؛ العصر الذى كان الأسلاف يخشونه ويعوذون باللّه منه! إذا نظرت إلى ما حولك رأيت أمثلة كثيرة على هذه الحالات، وكان منها عرض محزن شاهدته في هذه الأشهر الماضية. قبل بضعة أشهر قرأت كتابًا علميًّا وإسلاميًّا اسمه «العودة إلى الإسلام» من عالم كبير اسمه المنصور الهاشميّ الخراسانيّ، فوجدته كتابًا مفيدًا ومهمًّا ورائعًا للغاية، فأردت أن أقدّمه إلى بعض من أعرفهم ليقرؤوه ويستفيدوا منه كما فعلت، لكنّني رأيت ردود فعل مربكة منهم جعلت صدري ضيّقًا. يا له من أمر عجيب أن تقول لمن يشكو دائمًا انحطاط المجتمعات وانحراف المذاهب وسوء أعمال المسلمين أن اقرأ هذا الكتاب لتعرف العلّة الرئيسيّة لهذه المصائب، فيقول لك: إنّي مشغول ولديّ مشاكل!! فتقول: إنّ حلّ مشاكلك ومشاكل المسلمين كلّها في هذا الكتاب، فيقول: سأقرأه إذا سنحت لي فرصة!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذا التناقض! [الملاحظة ٧]

العصر المقلوب
إلياس الحكيمي

يا له من أمر مؤلم أن تعطي هذا الكتاب لمن يبدو أهل دراسة وبحث ويدّعي أنّه طالب علم وتقول له: اقرأه، فإنّه أنفع كتاب يمكن أن تقرأه في حياتك، فيقول لك: ما اسم مؤلّفه؟! ما هو مذهبه؟! ما هي درجته؟! أين درس ومن صدّقه من العلماء المشهورين؟! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذه الهامشيّة والسطحيّة! يا له من أمر مدهش أن تسأل عالمًا وهو أهل التدريس والوعظ، عن هذا الكتاب المليء بالآيات القرآنيّة والأدلّة العقليّة، فيقول لك: إنّي أعطيت هذا الكتاب لمن يعرف الرمل والجفر والطلسمات ويقرأ أفكار الناس وله عين برزخيّة، فقال: هذا الكتاب احتيال!!! سبحان اللّه! صاحب الرمل والجفر والطلسمات الذي يدّعي علم الغيب وقد أقام دكّانًا لقراءة أفكار الناس، لا يُعتبر محتالًا، ولكن مؤلّف كتاب علميّ مستند إلى القرآن والسنّة، يُعتبر محتالًا!!! وذلك أيضًا بحكم صاحب الرمل والجفر والطلسمات!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذه الرؤية المقلوبة! يا له من أمر مؤسف أن تعطي الكتاب لرجل ليقرأه ويرى ما فيه من الحقّ الواضح بعينيه، فقبل أن يفتح الكتاب يذهب به إلى شيخه ليقول له هل يقرأه أم لا!!! فيقول له شيخه: أنا أعرف صاحب هذا الكتاب (يعني المنصور الهاشمي الخراساني)! هو دجّال بالعراق، اسمه أحمد الحسن اليماني!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذه الحماقة! [الملاحظة ٧]

العصر المقلوب
إلياس الحكيمي

يا له من أمر مرعب أن تعرف رجلًا مولعًا بشراء الكتب وقراءتها -وما أكثرها إلا ظنون وأوهام-، فإذا أعطيته هذا الكتاب المستند إلى الأدلّة اليقينيّة مجّانًا، تقلّب مزاجه وجاءه كلّ ضعف وكسل! لأنّه بعد شهر وبضعة أيّام لم يجاوز الصفحة ٩٠ من الكتاب، وهو لا يطيق أن يواصل قراءته!! فتسأله عن ذلك فيقول: لم أجد فيه شيئًا مهمًّا!!! وكان فيه أخطاء كثيرة!!! فتقول: اذكر لي واحدًا من أخطائه! فيقول: مثلًا قد رفض تقليد العلماء، وأنكر ولاية الفقيه، وقال أنّ أئمّة أهل البيت لم يكونوا يعلمون الغيب!!! أظنّ أنّ مؤلّفه رجل وهّابيّ!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذا الجهل المركّب! يا له من أمر مسيء أن تقدّم الكتاب إلى صديقك القديم اعتبارًا لهذه الصداقة وحرصًا على سعادته لعلّه يعرف ما خفي عليه من الحقّ ويهتدي إلى الدّين الخالص، ولكنّه يقطع علاقته معك بالكامل، كأنّه قد وقف على شبكة تجسّس أو واجه خطرًا رهيبًا!!! فتسأل عنه بعض جلسائه فيقولون: كان يذكرك، فيقول فلان قد تشيّع وأصبح رافضيًّا!!! أعطاني كتابًا فيه أنّ آية التطهير نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين، وأنّ طاعة أهل البيت واجبة لقول النّبيّ: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي»!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذا العناد والتعصّب المذهبيّ! إنّا للّه وإنّا إليه راجعون! لو خرّت عليك السماء خير من أن ترى هذه المواجهات المريضة والمربكة من هؤلاء المدّعين للإسلام مع هذا الكتاب الإسلاميّ العظيم! [الملاحظة ٧]

العصر المقلوب
إلياس الحكيمي

يا للعجب أن تقول للعالم والعامّي، والصغير والكبير، والذكر والأنثى من هذه الأمّة: اقرؤوا، واعلموا، وتفكّروا، لكنّهم يتثاءبون في وجهك وينظرون إليك بعيون حمراء ومنتفخة، ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ! ما هذه البليّة التي نزلت بنا أن لا نسمع صوتًا بهذا الوضوح ولا نفهم قولًا بهذا السّداد؟! ما الذي أصابنا أن لا يدخل القول الصحيح والمنطقيّ تمامًا في آذاننا، ولكن نقبل بسهولة أقوالًا خاطئة وفارغة؟! إذا تكلّم أحد بكلام هراء وقال في خلاله كلامًا نصفه صحيح أحيانًا، نقول له: أحسنت وبارك اللّه فيك، ولكن لا نتفوّه بكلمة جميلة عن كتاب لم يأت في سطر من سطوره بما لا دليل عليه ولم يخالف في شيء من عباراته القرآن والسنّة والعقل، بل ننظر إليه بأعين مرتابة ووجه عابس، متّبعين لظنّ السوء، أن عسى أن يكون خداعًا!! ويلكم، كيف يمكن أن يكون القرآن خداعًا؟! ألا ترون أنّ هذا الكتاب قد ملئ بآيات القرآن؟! هل من الممكن أن يكون خداعًا ما ليس فيه إلا الحقّ؟! هل هو خداع لأنّه لا يتوافق بالكامل مع آرائكم؟! هل آراؤكم كلّها وحي منزل من عند اللّه ومن المستحيل أن يكون فيها شيء من الخطأ؟! السؤال المهمّ هو هذا: هل أنتم تخافون أن يكون هذا الكتاب باطلًا أم حقًّا؟! ما نراه اليوم في العالم الإسلاميّ قد جعل الإجابة على هذا السؤال صعبًا ومخيفًا للغاية!! هل لو كان هذا الكتاب مثل آلاف الكتب الأخرى التي تكرّر ما يقول الناس تمامًا بغير نقد ولا مراجعة ولا تدقيق، لكان كتابًا جيّدًا ومفيدًا، والآن بعد أن أعاد النظر في جميع ما يقول الناس وأمعن في ذلك، مجانبًا للتقليد الأعمى ومستندًا إلى ما لا يرقى إليه الشكّ من الأدلّة العقليّة والشرعيّة، قد أصبح كتاب سوء ولا ينبغي قراءته؟!! أين هذا من قول اللّه تعالى: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ ۝ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ؟! يا للعجب من هذا العصر المقلوب!! [الملاحظة ٧]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

في هذا الكتاب، يبيّن المؤلّف أولًا معيار المعرفة، ويعتبر الضرورة والوحدة والبداهة خصائصه الثلاث، وبعد العديد من الدراسات والمناقشات، يعتبر العقل مصداقًا له، ويؤكّد أنّ جميع المعارف لا بدّ أن تنتهي إلى العقل. بالطبع، إنّه يعتبر العقل مختلفًا عن الفلسفة، ويعتقد أنّ معيار المعرفة هو العقل العقلائيّ، وليس العقل الفلسفيّ. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر النزاع الذي مضى عليه ألف عام حول مبدأ الحسن والقبح بين الأشاعرة والعدليّة، نزاعًا لفظيًّا ناشئًا عن عدم انتباههم إلى الطبيعة التكوينيّة والتشريعيّة لأمر اللّه ونهيه، ويعتقد أنّ العقل والشرع كلاهما من أفعال اللّه، وهناك وحدة جوهريّة بين أفعال اللّه، ولا يوجد فيها تضادّ أو تناقض. ثمّ يمضي في تبيين موانع المعرفة، ويذكر الجهل والتقليد والأهواء النفسيّة والنزعة الدّنيويّة والتعصّب والتكبّر والنّزعة الخرافيّة كأهمّ مصاديقها، وتحت كلّ منها يتناول الباثولوجيا التاريخيّة لعقائد المسلمين وأعمالهم، ونقد أسسهم الفكريّة من بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حتّى الآن، ويشرح البدع والانحرافات الشائعة ويكتشف جذور مشاكل العالم الإسلاميّ. ويعتبر في جزء من كتابه أنّ عدم معرفة المسلمين الصحيحة والكاملة بالاسلام هو أهمّ سبب لاختلافهم وانحرافهم ويذكر عوامله وأصوله المختلفة؛ كما أنّه يعتبر عدم معرفتهم الصحيحة والكاملة ببعضهم البعض وبأعدائهم، سببين آخرين لذلك. [المقالة ١]